أستطيع التفكير بالعودة إلا إذا أعطاني رسالة إلى الأمام توضح موقفه الحالي. واستفسرت منه أن كان حقا قد أرسل رسالة شفوية تطلب مني مغادرة البلدة ، فأنكر ذلك لكنه كرر ذلك بصورة غير مباشرة بعد عشرة دقائق وانصرف. إننا لم نألف منه عروض المساعدة والتجهيزات أو توفير محلات الإقامة التي كنا نألفها من شيوخ عمان الآخرين ، إذ كان هدفه يتمثل في إخراجنا من بلدته بأسرع ما يستطيع. وكل ما سمعته وشاهدته أعطاني سببا واهيا لأن أؤخر إرغامه في هذا الصدد. كان الوهابيون قد أخذوا يحتشدون بأعداد غفيرة من حولنا وبدوا في انتظار أي مبرر للبدء بالشجار. في مثل هذه الحالات الطارئة لا أتبنى إلا خطة واحدة وهي أن أبعد أي قطعة سلاح عن متناول الأشخاص الذين يرافقونني. كنا أنا و (وايتلوك) مسلحين وكنا ندرك كل الإدراك العواقب التي قد تنجم نتيجة الاستخدام المتسرع للأسلحة. كان عدد الرجال قليلا عموما ، ولم تكن ثيابهم بأكثر من وزرة ملفوفة على وسطهم. كانت ملامحهم دكناء وشعرهم طويل. ولم أدرك إلا بعد وقت ليس بالقصير أن هؤلاء ليسوا سوى مجموعة تابعة ل (سعد بن مطلق) الذي ذكرت أفعاله المتوقعة ومن ثم هزيمته في التفاصيل التي أوردتها عن (بدية). لهذا السبب كانت وضعيتنا محفوفة بالمخاطر والفرصة الوحيدة في هربنا تتمثل في الاعتماد على ثباتنا وسلوكنا لأنهم كانوا آنذاك يتقدمون للهجوم على أجزاء من مقاطعة الشيخ وكان هو أملنا الوحيد بالنجاة.
أعلن (علي) الذي يملك فكرة رهيبة عن معارفنا الجدد بأنه لا يستطيع النوم وأن الوهابيين كانوا يحومون من حول الخيمة وأننا إما سنتعرض إلى السرقة أو القتل حتما قبل بزوغ الفجر. وهنا انتابت مترجمي الفارسي المتين البنية الذي تبلغ قامته ستة أقدام ، نوبة من الخوف. ثمة سبب لمخاوفه ، لأن الوهابيين يكرهون الفرس باعتبارهم من شيعة الأمام علي أكثر مما يكرهون أي طائفة أخرى من المسلمين. وعند ما عاد الشيخ وقدم لي رسالته إلى الإمام ، أدركت أن من العبث الذي لا طائل من تحته محاولة بذل أي جهد آخر لثنيه عن قراره. لهذا السبب لم أقم بالمحاولة. وفي هذه الأثناء ، انتشرت الأخبار في كل مكان بأن إنكليزيين قد توقفا في البلدة ومعهما صندوق مليء بالدولارات ، إلا أنه لا يحتوي في الواقع إلا على بضعة ثياب نحملها معنا. واجتمع الوهابيون وغيرهم من القبائل للمداولة في الموضوع في حين أخذت بقية فئات المجتمع الدنيا تخلق الفوضى والضوضاء. لقد كان