أن يكون بينهما عقد مكتوب. ولما لم يكن في وسع اليهودي أن يكتب فقد غمس أصابعه في الحبر وترك بصمتها على الورقة. وهنا تقدم المقيم البريطاني إلى (صور) وأرسل في طلب شيخ القبيلة الأولى الذي يعيش على بعد مسافة غير قليلة داخل البلاد. إلا أن هذا الشيخ خشي انتقام الإنكليزي الذي كانت سلطته واسعة ، إذا ما سار إليه ، ومن جهة ثانية ازداد خوفه أكثر إذا ما رفض الذهاب ، عندئذ قرر الذهاب يرافقه في سفره جميع أفراد قبيلته إلى الساحل. وعند وصولهم إلى هناك ، حاول أفراد القبيلة باكين ومتوسلين إقناعه عدم التوجه إلى السفينة بعد أن ساد الانطباع التام لديهم ـ كما أوضحوا لي ـ بأن السفينة ستنقله إلى (بومباي) ويودع السجن ، كما حدث في السابق. إلا أنه على الرغم من ذلك واصل سيره وحظي باستقبال حار وبعد التوصل إلى اتفاق ألزم نفسه بموجبه ، ويقضي بأنه في حالة غرق سفينة وإنقاذ ركابها مستقبلا ، فإنه مسؤول عن جميع ممتلكات أي سفن بريطانية تتحطم على السواحل التابعة لأراضيه. وبعد ذلك أعيد الشيخ إلى اليابسة ثانية. وهنا أصبحت فرحة قبيلته لا توصف بعد أن ظلت قلقة بسبب غيابه. وبعد أن أغدقوا عليه التحيات التي كادت تخنقه ، حمله اثنان من رجال القبيلة على أكتافهما وسارا به محتفلين بالنصر.
إن البدو الذين يقطنون حدود عمان والبدو الذين يقطنون الأراضي الواقعة بين الواحات لم يفقدوا ما يربطهم بحياة التجوال التي تميزهم في أجزاء أخرى من الجزيرة العربية. صحيح أن هؤلاء البدو يعترفون بسلطة الإمام لأن زعمائهم يحصلون على هداياه من خلال هذا الاعتراف ولا يمكن الحصول على أي شيء إذا ما اتبعوا أسلوبا آخر ، إلا أن الطاعة التي تقدم له لا تتجاوز تلك الطاعة التي يقدمها العديد من صغار الشيوخ إلى الشيخ الأكبر أو ما يسمى «شيخ المشايخ». فهو يستطيع الحصول أثناء الحرب على خدمات الطبقة التي تمتهن الزراعة. أما في زمن السلم ، فإنهم يواصلون ، دون تدخل منه ، ممارسة عاداتهم البدوية والرعوية. ولما كان الأئمة يدركون السلطة التي يمارسونها على البدو إذا ما استقر هؤلاء في القرى والمدن أو إذا ما تحول اهتمامهم إلى المهن الزراعية ، فإنهم قدموا كل تشجيع ممكن لإرغامهم على تغيير عاداتهم ، وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما.
إن الهواء غير الصحي والطعام غير المنتظم وغير ذلك من الأسباب الأخرى هي التي