لأن العبد في وسعه أن يذهب إلى القاضي ويطالب بأن يتم بيعه علنا إذا كان غير راض عن سيده. غير أن هذا الشيء لا يحدث إلا فيما ندر ، لان سلطة السيد تمتد لتشمل بيع العبيد ومبادلتهم ومعاقبتهم. إلا أنه لا يستطيع أن يوقع العقاب بهم دون محاكمة علنية حتى إذا ارتكبوا جرائم يرى القانون أن عقوبتها الموت. وإذا زود السيد العبد بزوجة وحملت منه وأنجبت البنين والبنات ، فإن الزوجة والأولاد يباعون مع الأب. وإذا ما توفي السيد ، فيصبح العبيد أحرارا. وتحرم الشريعة الإسلامية أن يكون العبد مسلما. لكن العبد الذي يؤمن بالديانة الإسلامية وكان معتوقا من العبودية قبل ذلك ، في وسعه أن ينتقل إلى سيد آخر بملء إرادته. والعرب الميسورون يملكون عبدين أو أكثر لمساعدتهم في تدبير شؤون منازلهم إضافة إلى عبيد آخرين يكونون في موضع ثقة. وفي كلتا الحالتين يتلقون درجة كبيرة من الاعتبار والعطف لا يحظى بها الخدم في أوروبا. وعند ما يتم شراء العبيد وهم صغار السن ، تتم تنشئتهم على وفق الديانة الإسلامية ويعلمون القراءة والكتابة وعند وصولهم سنا معينة توكل إليهم مهمة قيادة المراكب والقوارب وتودع لديهم حمولات باهظة الثمن.
في أثناء إقامتي في عمان ، بذلت محاولات كثيرة للحصول على معلومات يمكن أن تساعدني في رسم صورة تاريخية للإقليم. بيد أن الصعوبات في بلد لا تسجل فيه الأحداث على الورق بالغة جدا. وإنني أقدم خلاصة أبحاثي بالشكل الذي سارت عليه ملاحظا أن صمت العرب أنفسهم ـ وهو نتيجة طبيعية لوضعهم الأمي ـ يمكن أن يعوّض من خلال الحوليات المتوفرة عند جيرانهم الفرس (١) ففي خلاصة قدمناها في الصفحات الماضية عن المذاهب الدينية الخاصة بهذا الشعب ، يستطيع القارئ أن يلاحظ الدوافع التي دفعت بأعداد كبيرة من أتباع النبي (ص) إلى هجرة زعيمهم والاستقرار في عمان واختيار إمام أو خليفة من بينهم. وقد وقعت هذه الحادثة في أثناء الحروب التي شارك فيها (علي بن أبي طالب) وهو صهر النبي محمد (ص) ، وذلك لكي يحتفظ لنفسه بمنصب الخلافة المتنازع عليها. ثم لقّب هؤلاء بالخوارج ، وهو لقب ينطوي على التوبيخ لا تزال الطائفة توصف به (٢).
__________________
(١) على أي حال ، لا أظن أن توقي الشديد إلى النجاح في هذه الأبحاث سيكون ذا نتائج باهرة. فمن خلال ما طرحته أمام القارئ ، سيظهر أن تاريخ الإقليم لا ينطوي على شيء ، سوى سلسلة من الحروب الصغيرة والنزاعات الداخلية وإن اهتمامنا موزع بعدد الشخصيات التي تظهر على سطح الأحداث مما يجعلنا نفقد الاهتمام بها.
(*) لا تخفى على القارئ ما في هذه الفقرة من أخطاء تنم عن جهل واضح.