راحة للنظر يصعب التعبير عنها بعد رحلتنا فوق الرمال المحرقة الكئيبة.
في الساعة الخامسة ركبنا إبلنا وواصلنا رحلتنا باتجاه الغرب والشمال الغربي على امتداد الوادي. كان عرض الوادي ميلا ونصف الميل. وكان جانباه يوحيان بأنهما شكّلا ذات يوم قاع جدول ماء عظيم. كما أن المنطقة كلها بدأت تظهر بمظهر مغاير. فقد ظهرت للعيان العديد من القرى الصغيرة المنتشرة وسط بساتين النخيل الكثيفة والحقول الخضر وقطعان الماشية ، كما بدأنا نشاهد لأول مرة منذ رحيلنا عن ساحل البحر مجموعات من السكان. وكانت الدهشة ترتسم على وجوههم ، ولكن بما أننا لم نتوقف ، فإنهم لم تؤاتهم الفرصة لإشباع فضولهم والتحديق بنا فترة طويلة. ولكن أحد أفراد مجموعتنا تأخر عن بقية الركب للتعويض عن خيبة أملهم وأخبرهم بما يعرفه عنّا. وفي إجابة عن الاستفسارات المألوفة : من نحن؟ أنحن مسلمون؟ ما طبيعة مهمتنا؟ قال لهم إننا كفار نتوجه لزيارة (نقب الهجر) بحثا عن الكنز. كما أخبر آخرين بأننا وصلنا إلى هنا لدراسة البلاد والكتابة عنها رغبة في السيطرة عليها. حاولت بلا طائل أن أسكته لكنه ضحك ملء شدقيه. أما مرشدونا ، فقد تخلوا عنا حالما اقتربنا من القرية رغبة منهم في ألا يشاهدهم أحد برفقتنا أو لقضاء بعض أشغالهم. وقبيل غروب الشمس قفلوا راجعين وكنا نعد العدة للتوقف قرب إحدى القرى الصغيرة. وهنا وصلتنا رسالة من السكان تقول بأنهم لا يريدون منا أن نبقى قرب مساكنهم. ولم ينفع الاحتجاج أو المقاومة من جانبنا ، في حين ظل مرشدونا متفرجين لا أكثر على ما يدور من حولنا دون بذل أي محاولة للتداخل. ونتيجة لذلك اضطررنا إلى الخضوع لإرادتهم.
بعد أن هبط الظلام تبين أن مرشدينا لا يملكون سوى فكرة قليلة عن الطريق ، إذ ما أن سرنا ثلاثة أو أربعة أميال حتى وجدنا أنفسنا نتسلق السدود العالية التي تحيط بالحقول. وكثيرا ما هوت الإبل وهي تعبر هذه السدود ، حتى إن البدو فقدوا صبرهم وتركونا ومضوا في سبيلهم ولم يبق معنا سوى رجل عجوز وصبي صغير نتدبر معهما أمرنا. وما كنت لأهتم كثيرا لو أنهم أخبروا الصبي بوجهتهم وهكذا أعددنا العدة لنتخذ لنا ملاذا وسط الحقول. ولكن على نحو غير متوقع ، صادفتنا امرأة عجوز وعدتنا دون تردد بعد أن أدركت وضعنا