الصلة بينها وبين غيرها من المباني التي صادفناها وترجع إلى أجدادهم الوثنيين. وهنا قال لي أحد البدو عند ما أخبرته بأن أجداده كانوا يقومون بأعمال أعظم من تلك التي يقومون بها هم أنفسهم الآن : «أتعتقد أن هذه الحجارة قد رفعت دون مساعدة الكفار ؛ لا ، لا. لقد كان لديهم شياطينهم ، فيالق من الشياطين التي تساعدهم (حمانا الله منهم!)». وتلك خرافة أيده فيها بقية البدو عموما.
كان أدلاؤنا يسيرون وراءنا عند ما كنا نتجول بين الآثار ويتوقعون الحصول على غنائم ذهبية لأنهم كانوا مقتنعين بأننا ما جئنا إلى هذا المكان إلا لاكتشاف الذهب. وعند ما لا حظوا إننا لم ننجح في البحث ، اقنعوا أنفسهم بفكرة أننا لم نستطع الحصول على الذهب من الأرواح التي ظلت ، حسب اعتقادهم ، في حالة مراقبة دائمة.
إن آثار (نقب الهجر) (١) لا تمثل حسب رأيهم أكثر من مجموعة من الخرائب المحاطة بسور. بيد أن ضخامة الحجارة المستعملة في البناء ومعرفتهم التامة بفن البناء ، وهو ما أظهره أسلوب وطريقة رصفها مع بعضها بعضا ، وكذلك الأبراج والمساحة الواسعة كلها تضفي عليها أهمية كبرى. ففي هذا المكان من الجزيرة العربية ، حيث بقايا العمارة نادرة جدا كما هو معروف ، يكون مظهر هذه الآثار مثيرا جدا للاهتمام. كما يبدو واضحا أن هذه الآثار موغلة في القدم (ويمكن للكتابات أن توضح مدى قدمها) ، وذلك من خلال شكلها العام وحده الذي يشبه كثيرا مباني مشابهة وجدت وسط الآثار المصرية. ففي هذه الآثار توجد نفس الاتجاهات الموجودة في المدن المصرية في بناء الجدران ونفس الشكل في بناء المداخل كذلك نفس السطح المستوي المشيد بالحجارة. إن موقع (نقب الهجر) وأسلوب تنفيذ القسم الداخلي منها ، يبدو وهو يشير إلى أنه كان يستخدم مستودعا للذخيرة وحصنا. لهذا السبب أعتقد أن في وسعنا الاستنتاج بأن (نقب الهجر) والقلعة الأخرى التي
__________________
(*) يقع الموقع المعروف في النقوش بميفعة على بعد نحو ٣٢٠ كم شرقي عدن وعلى الوادي الذي يحمل نفس الاسم اليوم (وادي ميفعة) وقد زار هذا الموقع العديد من المستكشفين والباحثين بعد زيارة المؤلف وزميله كروتندن ، لعل من أهمها ما قامت به البعثة الفرنسية عام ١٩٨٢ حيث صورت الموقع وما به من نقوش ومبان وقدمت وصفا منفصلا للموقع مما يشير إلى أنه كان مدينة محصنة تحصينا جيدا رغم قلة المباني داخلها وقد يوحي ذلك إلى أن السكان يشتغلون بالزراعة خارج المدينة ويلجؤون إلى التحصن في المدينة في حالات الخطر وأوقات الحروب ويرجع تاريخ النقوش المكتشفة في الموقع إلى القرن الثاني أو الثالث ق. م.