اكتشفناها قد شيدا خلال فترة زمينة عند ما كانت التجارة من الهند تتدفق إلى الجزيرة العربية في طريقها إلى مصر ومنها إلى أوروبا. وهكذا فإن بلاد العرب السعيدة التي كانت تضم اليمن وسبأ وحضرموت تحت حكم السبئيين أو الحميريين العظام اكتسبت هذه الكنية التي يستحق لها أن تفخر بها.
إن تاريخ هذه الأقاليم يكتنفه قدر كبير من الغموض غير أن (أغاثار شيدس) (١) في الفترة السابقة للعصر المسيحي يشهد على ثراء السبئيين ورفاهيتهم ويعزز رأيه هذا المؤلفون اللاحقون. إن هذا القوم وقبل أن تصبح (مأرب) عاصمتهم سيطر على مجمل حدود الجزيرة العربية الجنوبية. ونحن نعرف أنهم زرعوا المستوطنات في أماكن تسهل التجارة وتعزز مؤسساتهم.
لم تكن التجارة مقتصرة على طريق واحد بل على العكس من ذلك نحن نعلم ومنذ عهد مبكر بوجود العديد من المدن المزدهرة الواقعة على ساحل البحر أو بالقرب منه. إننا لا نعلم شيئا عن الأجزاء الداخلية من هذه البلاد المدهشة ، إلا أن هناك أسبابا تدفعنا إلى الاعتقاد ، كما هو الحال مع (نقب الهجر) ، بأن هذه القلاع لا تشير إلى الطرق التي كانت تسلكها القوافل في السابق فحسب ، بل وتشير أيضا إلى الطرق الطبيعية في وسط الجزيرة العربية.
والكتابات التي واتاني الحظ في العثور عليها سوف تخلق اهتماما كبيرا وسط المثقفين. ففي الوقت الذي ندم فيه (بركهاردت) على غياب المعلومات ذات الصلة بأصل المؤسسات المدنية عند البدو ، فإنه يلاحظ بأن «اكتشاف النصب القديمة والكتابات في نجد واليمن قد يؤدي إلى الكشف عن الكثير من الحقائق التاريخية المختصة بهذا الموضوع». وفي الزمن الذي انزل فيه (القرآن الكريم) كان نوعان من الكتابة يستعملان في الجزيرة العربية وهما الكتابة الكوفية وهي الكتابة التي دون بها القرآن وتعبر عن لهجة قريش والحميرية التي كان يستعملها أهل اليمن. وقد فقدت الكتابة الثانية ولا ادري على أي من الأسس خمّن بعض فقهاء اللغة أنها ذات صلة قريبة من الكتابة الحبشية. لكن عند ما
__________________
(*) عالم اغريقي ولد عام ١١٦ ق. م.