يرقصن فعلا أمام الناس ويخرجن دون حجاب. وظنوا أنهم أفلحوا في إحراجي وراحوا يضحكون بخبث في انتظار إجابتي. اعترفت لهم بصحة ذلك ولكني أخبرتهم أيضا أننا لا نعتبر ذلك من قلة الاحتشام ، كما هو شأنهم. وقلت إن نساءنا لسن في عزلة البتة وإنهن يتلقين علما جيدا ومفيدا ويتمتعن بالحرية نفسها التي يتمتع بها الجنس الآخر. وأننا وجدنا فائدة في ذلك لأن النساء أصبحن بذلك رفيقات ولسن مجرد هدف لتحقيق رغبة جنسية. وهنا لم احصل على تأييد أي فرد منهم.
وقالوا : «اتركوا النساء للعمل والقيام بالواجبات البيتية ، لكن ما فائدة القراءة والكتابة اللتين لا تفيدان إلا الملالي؟» وقال أحد الوجهاء الكبار في السن : «النساء للأعمال النسوية والرجال لسيوفهم». كانت لحيته بيضاء وكان على ما يبدو يردد مثلا سائرا كرره جميع الحاضرين. كنت أتمنى لو أن بعض نسائهم يصغين للحديث فلربما أبدين رأيهن بنغمة مخالفة.
تتمتع النساء في هذه القبيلة بقدر كبير من التأثير في كل المجالس وفي حالة غياب الشيخ ، الذي سافر لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة ، تتولى زوجته وشقيقته ، في هذه اللحظة ، مقاليد الحكم في القبيلة. وكانت ملاحظاتهن عن بعض عاداتنا مثيرة للاهتمام جدا. كن يقلن : «لاحظنا إنكم عند ما تجلسون إلى المائدة ، فإن أمام كل رجل قدح صغير وآخر كبير. لماذا تستخدمون القدح الصغير غالبا بينما يجنبكم ملء القدح الكبير الكثير من العناء وعندئذ في وسعكم أن تشربوا منه على الفور؟ لماذا نرسل السيدات بعيدا عنا قبل الفراغ من شرب الخمرة ثم ننهض عند ما يغادرن المكان؟».
ظل أحد العبيد يدق القهوة منذ اللحظة التي وصلنا فيها المكان. وفي مثل هذه المناسبات يعمد إلى الدق بأن تضرب يد الهاون جوانب الهاون وقعره على نحو يماثل قرع الأجراس. وعادة ما يقوم العبد بالغناء في أثناء ذلك. وواصلنا الحديث وشرب الرجال قهوتهم حال وصولها ولم نفترق حتى ساعة متأخرة جدا (١).
__________________
(١) كان لدي بعض السيجار لكنني كنت أعرف كره تلك الطائفة للتبغ لذلك امتنعت عن إخراج السيجار وتدخينه. إلا أن البدو اكتشفوا على نحو ما أنني أملك مثل هذا السيجار فأصروا على أن أدخنه. ولكي أتجنب إلحاحهم عمدت إلى التدخين.