من الظواهر العامة في المناطق الرملية. لكن ما سبب كثافة الندى؟ وما سبب برودة الليل في الصحراء؟ كان أثر قطرات الندى كثيفا مما ترك الانطباع بهطول مطر خفيف على الأرض. ومهما كانت حرارة النهار شديدة وقاسية فإن برودة الجو ، بل حتى الليالي الباردة تلي ذلك.
الجمعة ، الحادي عشر من ديسمبر / كانون الأول : استيقظت هذا الصباح في وقت مبكر وتسلقت قمة أحد التلال الرملية العالية كي أظفر برؤية المناطق المحيطة ، لكني لم أشاهد على مد البصر وفي الأفق الكئيب والموحش سوى الهضاب الرملية المتموجة القادمة من الصحراء كأنها موجات بحر حتى تصطدم بالحاجز الذي أقف عليه. وعند الاستفسار ، لم أتمكن من معرفة أن الصحراء تتقدم واضطرتني ملاحظتي إلى الاعتقاد بعكس ، ذلك لأنني بعد أن عاينت المكان جيدا وجدت أن التلال التي كانت تشكل عائقا لتقدمها ، إنما كانت مغطاة بالأراك ونباتات صحراوية أخرى تغور جذورها في التربة وتتشابك محدثة أثرا كذلك الذي تحدثه (عشبة النجيله) في إنكلترا. وتقف شجيرة (١) واحدة من هذه الأشجار حجر عثرة أمام تقدم الرمال وتحيلها إلى هضبة. وهنا تنمو بقية الشجيرات فوقها وتستمر على هذا النحو بتلقي طبقات الرمل المنفصلة والنباتات المتزايدة بالتعاقب. ولو لا هذا لكان طوفان من الرمال قد غمر البلاد منذ زمن بعيد حتى قدمات الجبال المواجهة للبحر. ولما لم يكن هناك سوى القليل من الماء وراء هذا الحاجز ، إذ يبعد البئر الواحد عن الثاني مسيرة أيام ، فإن البدوي قلما يتجرأ على اجتيازه ، لأن التلال ، كما يقال ، تغيّر من ملامحها ، بل حتى تغير من مواقعها مع كل نسمة قوية تهب ونتيجة لذلك تفقد علاماتها وتحدث حوادث مؤسفة جدا في غالب الأحوال. ففي الليلة الماضية أخبرني (حمد) بأنه واجه ـ عند ما كان شابا ـ مع والده وحوالي عشرين من أفراد قبيلته في هذا المكان بالذات مجموعة من الوهابيين استطاعوا أن يلحقوا الهزيمة بهم ويرغموهم على الهرب مع زوجاتهم اللواتي كن في رفقتهم. وعبرت العديد من قبائلهم الصحراء للذهاب إلى بعض الآبار تبعد مسيرة ثلاثة
__________________
(١) هذه الشجيرة يطلق عليها أسم Cissus Arborea الأراك وتستخدم أصغر أغصانها في جزيرة العرب بمثابة فرشاة أسنان وتحظى بمكانة رفيعة عند قدامى العرب والمصريين حتى أن الشعراء هناك يحتفون بها.