في الساعة السابعة غادرنا مخيمنا واستأنفنا رحلتنا على امتداد وادي (Betha) الذي لا يزال ضحلا فنمت عليه بعض الأدغال القصيرة. وفي الساعة العاشرة مررنا بنقطة توقف تدعى (Roocsat) ويوجد فيها ماء ، ومن هناك قطعنا سهلا وأراضي صحراوية انتشرت على سطحها وهاد ضحلة كثيرة. وعند سقوط الأمطار على الجبال فإن هذه القنوات تزود الجدول الرئيس الذي يجري على امتداد قعر الوادي بقوة وعنف ومن ثم يصب في البحر قرب رأس (مصيرة)(Mazura). ولما كانت السلسلة الجبلية التي تنبع منها ذات شكل بدائي والأراضي التي يجري فيها بالتالي ذات طبيعة رملية وجافة ، فإنه لا يوفر عن طريق الآبار أي قدر من الخصوبة. ولكن على الرغم من ذلك فإن الماء الذي يتغلغل في القناة خلال مجراه القصير يوفر ، عن طريق الآبار ، كميات كبيرة في فصول السنة الأخرى.
في الساعة الرابعة عصرا ، توقفنا عند قرية حدودية في منطقة (بدية). وقد قدرت المسافة من بني بو علي وحتى هذا المكان بمسيرة ست عشرة ساعة يكون فيها السير بطيئا ، أو حوالي اثنين وأربعين ميلا. ولما كان الطريق لا يلتوي إلا قليلا فإن هذه المسافة تعد صحيحة وهو ما وجدته ينطبق مع ملاحظاتي. ويطلق العرب على ذلك الجزء من البلاد الممتد بين بني بو علي وحتى هذه النقطة بمنطقة جعلان.
تتألف (بدية) من مجموعة من القرى الواقعة عند عدد كبير من الواحات ، وتحتوي كل واحدة منها على مائتين أو ثلاثمائة بيت ويقام السوق في القرية الوسطى. وفيما يخص موقعها النسبي ، فإنني أحيل القارئ ، إلى الخارطة التي وضعت في الأساس على مقياس كبير وساعدتني في تقدمي لملء وصف الأرض عليها. ومن السمات الأساسية لهذه القرى وقوعها في منطقة منخفضة فقد شيدت فوق أراض ضحلة اصطناعية حفرت إلى عمق يقدر بست أو ثمان أقدام ، ويترك الرمل الناتج عن الحفر بهيئة تلال صغيرة. كانت تلك الواحات هي الأولى التي أشاهدها في هذا المكان ، ولهذا السبب فإن انتباهي أنشد إليها انشدادا قويا. واكتشفت أن هذه الواحات وكل المدن في داخلية عمان تدين بخصوبتها إلى سلوك السكان عند ما كانوا يعمدون إلى جلب الماء إليها بأنفسهم ، وهذا أسلوب خاص يميز هذه البلاد ويتم ببذل الكثير من الجهد والمهارة ، وهما صفتان صينيتان أكثر منهما عربيتان.