دليلنا العجوز الشيخ ، وبعد أن قطع نصف المسافة بلغ به الإعياء كل مبلغ ، وعلى الرغم من احتجاجنا كلنا ، اعتلى ظهر حماره وبهذا أكمل بقية المسافة. وقلت له : «صديقي سعد! لو أنك حاولت ذلك لدققت يقينا عنقك». فرد علي : «ربما يحدث ذلك ، لكن الله أكبر. إنني منهك».
كانت الدرجات المصنوعة من حجارة غير مهندمة والتي يبلغ عرض الواحدة منها ثلاثة أقدام قد اصطفت على امتداد الحافة المنحدرة ، بارزة من وجه جرف عمودي تقريبا. في هذه الأماكن التي يكون فيها عرض الصخور غير كاف ، فإنها باتت شديدة الانحدار. وإذا ما أخذنا هذا الأمر بنظر الاعتبار ، إضافة إلى العديد من الصعوبات الأخرى التي تم التغلب عليها بمثابرة ملائمة ، فإنه لا مناص من القول بأن العقل الذي استطاع أن يفكر في عمل كبير كهذا وينجزه لا بد وأن يكون ، في بلاد كالجزيرة العربية حيث الأشغال العامة الضخمة تكاد تكون غير معروفة تماما ، إنّ عقلا كهذا لا بد وأن يكون من نماط غير عادي. أصبحنا الآن نهبط داخل (وادي مويدن) الذي يمتد محتفظا باسمه من شيرازي وحتى (بركة الموز) وفي كل المناطق التي سرنا فيها ، لم يكن عرضه يتجاوز مائة خطوة. أما التلال فترتفع ارتفاعا عموديا يصل في بعض الأحيان إلى حوالي ٢٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ قدم. وبهذا فهي تشبه جرفا عظيما وكانت لدينا فرصة طيبة لدراسة البنية الجيولوجية لهذه السلسلة. ويبدو أن جميعها كانت تتكون من :
١ ـ صخور كلسية شاهقة.
٢ ـ صخور رملية حمراء قديمة ذات عروق زجاجية.
٣ ـ طبقات من العروق الزجاجية والغرانيت.
وقد انشطرت كتل عظيمة من جوانب هذه السلسلة وسدت قصر الوادي مما اضطرنا إلى السير من حولها أو من فوقها. وثمة جدول ماء كبير يقطعها في الوسط ، كما انتشرت بعض القرى الصغيرة وبساتين النخيل ومساحات من أراض مزروعة هنا وهناك ، حتى وصلنا أخيرا في الساعة الخامسة إلى قرية بركة الموز الواقعة عند مدخل الممر حيث ينفتح بعد ذلك باتجاه السهل.