وعند ما كنا نتناول طعامنا في المساء ، لم نستطع منع أنفسنا من أن يهنئ أحدنا الآخر لعودتنا من الرحلة ، التي جعلتنا بفضل توكيد العرب المستمر الذين أخبرناهم بها ، نصدق باستحالة تحقيقها إلا بعد بذل جهد جهيد وتحمل مخاطر شديدة. في البركة أو (بركة الموز) ثمة حصن يحتوي على قلعة فسيحة الأرجاء جميلة المظهر يملكها شيخ (السويق) وينتشر من حولها العديد من البساتين الكبيرة والمزارع الواسعة. والأشجار في هذه البقعة لا تعد ولا تحصى ، ومن هنا جاءت التسمية. وثمة نهر كبير يدعى (الفلج) يزود المنطقة بالمياه ، وتتمتع البركة ، بسبب موقعها بجو بارد جميل تهب نسماته من الجبل الأخضر وتشتهر بكونها ذات مناخ صحي جدا.
الأول من يناير / كانون الثاني : بعد أن كافأت الشيخ بالهدية الموعودة ، التي فرح بها أشد الفرح ، حصلنا على عدد جيد من الحمير وانطلقنا إلى (نزوى). وبعد مغادرتنا المكان بوقت قصير ، استقبلنا شيخ المنطقة بحرس من خمسين رجلا يعتلون صهوات الإبل. وعلى الرغم من أن الشيخ كان يبدو متعاليا في سلوكه مع أتباعه وأشد تباهيا من الزعماء الآخرين في ردائه عند ما يكون في المدينة ، إلّا أنه هنا ، وبالمقابل ، يشترك مع أتباعه في لبسه ، إذ لا يرتدي أكثر من قطعة قماش ملفوفة حول وسطه ويضع عمامة فوق رأسه. ولما سألته عن سبب ذلك أجاب بأن المرء إذا ما ارتدى ثيابا تجعله يبرز بين بقية الأفراد ، فإنه سرعان ما يميزه رماة البدو من بين رفاقه باعتباره القائد أو الزعيم ، وسيكون على الأرجح أول الذين يلقون مصرعهم. كان هذا الكلام مسليا. إلا إنني اضطررت إلى أن أعزو ذلك إلى سبب آخر. فالأشخاص الذين يعيشون في المدن والواحات المنتشرة انتشارا واسعا في الصحراء ، لا يفقدون ـ بسبب رحلاتهم المتكررة من مكان إلى آخر ـ إلا قدرا قليلا من ارتباط البدوي الحقيقي بالعيش في الصحراء أو التنقل في أرجائها ، بل وتبدو عليهم مظاهر الفرح الشديد عند ما تضطرهم مناسبة أو حادثة للقيام بذلك. وكما لاحظت في مثل هذه المناسبات ، فإن أفعالهم تتجه كلها إلى التشبه ـ إلى أبعد حد ممكن ـ بالبدو في الملبس والسلوك. إن التبدل من حيث المظهر بدءا برزانة البدوي المقيم وحسن تصرفه لينتهي بالضحك والمرح والنزوات الجامحة عند البدو المتنقّل ، إنما يبعث على السرور كثيرا.