وتركنا نتدبر أنفسنا بأنفسنا. وفي هذه اللحظة بالذات وصل شيخ عجوز أرسله شيخ (نزوى) على افتراض أن مثل هذا الأمر قد يحدث. وسرعان ما أعاد النظام إليهم وفي الساعة الثانية عشرة غادرنا القرية. كانت البلاد التي نقطعها تمتد بمحاذاة واد وهي تشبه المناطق التي أتيت على وصفها يوم أمس. كانت القرى والمياه العذبة وفيرة. وتظهر هذه كلها على الخارطة ، ولن يفيد أي هدف مجرد وضع أسمائها لأنها لا تتميز بأي ميزة خارقة. كانت التلال الممتدة على الجانبين مكونة من صخور متبلورة ومتساوية في الارتفاع تقريبا. وكانت تبدو من حيث الشكل ذات مظهر هرمي ووعرة ودكناء وفيها عروق ذات لون رصاصي فاتح. ومع هذا فثمة تغير كبير في مظهر التربة. ففي حين أخذنا نقترب من الساحل ، كانت تبدو رملية أكثر وذات لون فاتح. وبدلا من أن نجد البساتين في السهول المنبسطة وفي داخل الواحات ، بدأنا نشاهدها هنا في الوديان الضيقة وبدلا من الأفلاج ، شاهدنا غدران الماء كلها المؤدية إلى البساتين فوق سطح الأرض. الفواكه والحبوب أخذت تشح أكثر فأكثر ولم يعد ما يمكن رؤيته سوى أشجار النخيل. في الساعة الخامسة توقفنا في الطرف الجنوبي الشرقي من بلدة (سمائل) التي تعد محطة في منتصف الطريق بين (مسقط) و (نزوى). واتخذنا أحد الأكواخ الصغيرة جدا والنظيفة في آن واحد مأوى لنا. كان ثمة غدير من ماء عذب يترقرق من أمام الباب. وبسبب الإنهاك والوهن من مشاق رحلتنا في ذلك اليوم ، ولكي أستمتع بعذوبة نسيم الماء العليل ، فرشت سجادتي تحت إحدى الأشجار. وفي هذه الأثناء مر أحد الأعراب وتوقف أمامي وهو يحدق بي ، فبان عليه التأثر لحالة الحزن البادية على ملامحي وسلم علي وأشار إلى غدير الماء النقي الذي كان ينساب قرب قدميّ وقال : «أنظر أيها الصديق : الماء الجاري يفرح النفس» ثم انحنى قليلا وتركني بعد أن وضع كلتا يديه فوق صدره ، وهي التحية الصامتة التي يتبعها أهل الشرق. كنت في وضع يمكنني من أن أخمن مقدار العاطفة. وقد كشف سلوك ابن الصحراء الكثير من مشاعر العطف حتى أنني لا أرجع إلى الحادثة على الرغم من تفاهتها دون أن تستبد بي العاطفة. حظينا بالكثير من الاهتمام والمجاملات من لدن شيخ البلدة. وعبر عن بالغ قلقه لرؤيته وضعنا الصحي وتوقع بثقة عالية أن نسترد عافيتنا تماما في السيب. الأكثر من هذا ، أنه عرض علينا السماح الاثنين من عبيده بمرافقتنا حتى الساحل ،