الطوفان بيصر بن حام بن نوح ، وكان معه ثلاثون من الجبابرة من أهله وولده ، فاجتمعوا وبنوا مدينة منف ، ونزلوا بها ، وكان قليمون الكاهن الذي تقدّم ذكره في خبر مدينة أمسوس من جملتهم ، وكان قد زوج ابنته ببيصر المذكور ، وجاءت معه إلى مصر ، وولدت منه ولدا سماه : مصرايم ، فلما مات بيصر ، دفن في موضع دير أبي هرميس ، ويقال : دير أبي هرميس غربيّ الأهرام ، ويقال : إنها أوّل مقبرة دفن فيها بأرض مصر ، وكان موته بعد ألف وثمانمائة وست سنين مضت من وقت الطوفان ، وقال غيره : ثم بنى مصرايم مدينة سماها باسمه ، فجاءه رجل من بني يافث ، فعمل له سورا قائما ، وصنع له درجا وأجرى الماء إلى أن بقي يصعد إلى أعلى السور بحكمة أتقنها ، ثم ينزل ذلك الماء من أعلى السور إلى المدينة فينتفع به فيها بغير مشقة ولا كلفة ، ثم يخرج من ناحية أخرى ، وكتب على السور هذه صنعة من يموت لا صنعة من يدوم.
وملك بعد بيصر ، ابنه مصرايم. (ويقال له : مصر) بن بيصر ، فأظهره قليمون الكاهن على كنوز مصر وعلمه قراءة خطهم ، وأطلعه على حكمهم وبنى مصرايم ، المدن وشق الأنهار وغرس الأشجار ، وبنى مدينة عظيمة سماها درسان ، وهي العريش ، ونكح امرأة من أولاد الكهنة ، فولدت له ابنا سماه : قفطيم ، وبنى مدينة رقودة مكان الإسكندرية.
ولما مات مصرايم ، جعل له سرب طوله مائة وخمسون ذراعا ، وبسط بالمرمر الأبيض وعمل في وسطه مجلس مصفح بصفائح الذهب ، وله أربعة أبواب ، على كل باب : تمثال من ذهب على رأسه تاج من ذهب ، وهو جالس على كرسيّ من ذهب قوائمه من زبرجد ، ونقش في صدر كل تمثال آيات مانعة وحبسوا جسده في جسد من زبرجد أخضر شبه تابوت طوله أربعون ذراعا دفن فيه ، ومعه جميع ما كان في خزائنه من ذهب ، وفضة وجوهر منها ألف قطعة من زبرجد مخروط وألف تمثال من جوهر نفيس ، وألف برنية من ذهب مملوءة درا نفيسا ، وألف آنية من ذهب ، وعدّة سبائك من فضة ، وعمل عليه طلسم مانع من الوصول إليه وزبروا عليه : مات مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح بعد ألفين وستمائة عام ، وقيل : بعد سبعمائة سنة مضت من الطوفان ، ولم يعبد الأصنام فصار إلى جنة لا هرم فيها ولا سقم ، ولا همّ ولا حزن ، وكتب اسم الله الأعظم عليه حتى لا يصل إليه أحد إلا ملك ، يأتي في آخر الزمان يدين بدين الملك الديان ، ويؤمن بالبعث والفرقان ، والنبيّ الداعي إلى الإيمان في آخر الزمان ، وسقفوا فوق السرب بالصخور العظام ، وهالوا عليه الرمال حتى سدّوا بين جبلين متقابلين.
ويقال : كان مصر بن بيصر ، مع جدّ أبيه نوح عليهالسلام في السفينة ، فدعا له أن يسكنه الله الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد ، ونهرها أفضل الأنهار ، ويجعل له فيها أفضل البركات ويسخر له الأرض ولولده ، ويذللها ويقوّيهم عليها ، فسأله