الله على الإسلام بركتها ، فتحنا الخزائن وبذلنا الأموال ، وفرّقنا السلاح ، وجمعنا العربان والمطوّعة ، وخلقا لا يعلمهم إلا الله جاءوا من كل فج عميق ، ومكان سحيق ، فلما رأى العدوّ ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع الاتفاق بينهم ، وبين الملك الكامل فأبينا ، ولما كانت ليلة الأربعاء تركوا خيامهم وأموالهم وأثقالهم ، وقصدوا دمياط هاربين ، فسرنا في آثارهم طالبين ، وما زال السيف يعمل في أدبارهم عامّة الليل ، وقد حلّ بهم الخزي والويل ، فلما أصبحنا يوم الأربعاء ، قتلنا منهم ثلاثين ألفا غير من ألقى نفسه في اللجج ، وأما الأسرى فحدّث عن الحر ، ولا حرج ، والتجأ الفرنسيس إلى المينة ، وطلب الأمان ، فأمّناه ، وأخذناه وأكرمناه ، وسلمناه دمياط بعون الله تعالى ، وقوّته وجلاله وعظمته ، وبعث مع الكتاب غفارة الملك فرنسيس ، فلبسها الأمير جمال الدين بن يغمور ، وهي : اشكر لاطا أحمر بفرو سنجاب ، فقال الشيخ نجم الدين بن إسرائيل :
إنّ غفارة الفرنسيس جاءت |
|
فهي حقا لسيد الأمراء |
كبياض القرطاس لونا ولكن |
|
صبغتها سيوفنا بالدماء |
وقال آخر :
أسيّد أملاك الزمان بأسرهم |
|
تنجزت من نصر الإله وعوده |
فلا زال مولانا يبيح حمى العدى |
|
ويلبس أثواب الملوك عبيده |
وأخذ الملك المعظم ، يهدّد زوجة أبيه ، شجرة الدر ، ويطالبها بمال أبيه ، فخافته وكاتبت مماليك الملك الصالح ، تحرّضهم عليه ، وكان المعظم لما وصل إليه الفارس ، أقطاي إلى حصن كيفا ، وعده أن يعطيه إمرة ، فلم يف له بها ، وأعرض مع ذلك عن مماليك أبيه ، واطّرح أمراءه ، وصرف الأمير حسام الدين بن أبي عليّ ، عن نيابة السلطنة ، وأحضره إلى العسكر ، ولم يعبأ به وأبعد غلمان أبيه ، واختص بمن وصل معه من المشرق ، وجعلهم في الوظائف السلطانية ، فجعل الطواشي مسرورا خادمه إستادارا ، وعمل صبيحا ، وكان عبدا حبشيا فحلا خازنداره ، وأمر أن تكون له عصا من ذهب ، وأعطاه مالا جزيلا ، وإقطاعات جليلة ، وكان إذا سكر جمع الشمع ، وضرب رؤوسها بالسيف ، حتى تنقطع ، ويقول هكذا أفعل بالبحرية ، فإنه كان فيه هرج وخفة ، واحتجب على العكوف بملاذه ، فنفرت منه النفوس ، وبقي كذلك إلى يوم الاثنين ، تاسع عشري المحرّم ، وقد جلس على السماط ، فتقدّم إليه أحد المماليك البحرية ، وضربه بسيف قطع أصابع يديه ، ففرّ إلى البرج ، فاقتحموا عليه ، وسيوفهم مصلتة ، فصعد أعلى البرج الخشب ، فرموه بالنشاب ، وأطلقوا الناس في البرج ، فألقى نفسه ومرّ إلى البحر ، وهو يقول : ما أريد ملككهم دعوني أرجع إلى الحصن يا مسلمين؟ ما فيكم من يصطنعني ويجيرني؟ وسائر العساكر بالسيوف واقفة ، فلم يجبه أحد والنشاب يأخذه من كل ناحية ، وأدركوه ، فقطع بالسيوف ومات حريقا غريقا قتيلا