وعن الليث بن سعد قال : حدّثني مشيخة لنا قالوا : اشتدّ الجوع على أهل مصر ، فاشتروا الطعام بالذهب حتى لم يجدوا ذهبا ، فاشتروا بالفضة ، حتى لم يجدوا فضة ، فاشتروا بأغنامهم ، حتى لم يجدوا غنما ، فلم يزل يبيعهم الطعام حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهب ، ولا شاة ولا بقرة في تلك السنين ، فأتوه في الثالثة فقالوا : لم يبق لنا إلا أنفسنا ، وأهلونا وأرضونا ، فاشترى يوسف أرضهم كلها لفرعون ، ثم أعطاهم يوسف طعاما يزرعونه على أن لفرعون الخمس.
ويقال في خبر بناء يوسف عليهالسلام : مدينة الفيوم أنه لما وزر لفرعون ثلاثين سنة عزله ، فقال : لم عزلتني؟ فقال : لم أعزلك لريبة ، ولا أنسى بركتك ، ولكن آبائي عهدوا إليّ أن لا يتولى لنا وزير أكثر من ثلاثن سنة ، وإنا نخشى أن يتأصل الوزير حتى يدبر على الملك ، فقال له يوسف : قد علمت نصحي لك ، حتى صيرت ديار مصر كلها ملكا لك ، فأقطعني أرضا تكون لقوتي وقوت أهلي وعشيرتي ، فقال له فرعون : اختر حيث شئت ، فمشى يوسف في قفار الأرض حتى رأى أرض الفيوم ، وفيها جبل حائل بين النيل وبينها ، فوزن ماء النيل حتى رأى أن قاعها يركبه النيل ، فحرق خرقا في ذلك الجبل ، وساق الماء فيه إلى الفيوم ، فسقى الأرض ، وعمل في جوانب الماء ، ثلثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة ، وشحنها بالغلال ، والأقوات التي ازدرعها ، فكان إذا نقص النيل ، ووقع الجوع بأرض مصر ، باع كل يوم ، ما جمعه في قرية من قرى الفيوم ، حتى ملك مصر لنفسه ، كما جمعها للملك ، فعظم شأن يوسف ، وكثر ماله ، فردّه الملك بعد مدّة إلى وزارته ، وتوفي وهو وزير ، فأوصى بخروج جثته إلى الأرض المقدّسة ، فخرج بها هارون بن إفراييم بن يوسف في مائة ألف من بني إسرائيل ، فهزمته الجبابرة فيما بين مصر والشام ، وهلك أكثر من معه ، وعاد بمن بقي معه إلى مصر ، فأقاموا بها ، حتى بعث الله موسى بن عمران عليهالسلام إلى فرعون رسولا ، فخرج ببني إسرائيل من مصر ، ومعه جثة يوسف عليهالسلام.
وفي ذلك الزمان استنبطت الفيوم ، وقيل : كان سبب ذلك ، أنّ يوسف عليهالسلام لما ملك مصر ، وعظمت منزلته من فرعون ، وجاوز سنه مائة سنة ، قال وزراء الملك له : إنّ يوسف قلّ عمله ، وتغير عقله ، ونفدت حكمته ، فعنفهم فرعون ، وردّ عليهم مقالتهم وأساء اللفظ لهم ، فكفوا ، ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين ، فقال لهم : هلموا ما شئتم من أيّ شيء أختبره به.
وكان بلد الفيوم يومئذ يدعى الجوبة ، وإنما كانت لمصالة ماء الصعيد ، وفضوله فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحنون بها يوسف ، فقالوا لفرعون : سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها ، ويخرجه منها ، فتزداد بلدا إلى بلدك وخراجا إلى خراجك ، فدعا يوسف فقال : تعلم مكان ابنتي فلانة مني وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها