وجاءنا وبر بن يحنّس ، وكاتبنا الناس ودعوناه وأخبره الشيطان بشيء فأرسل إلى قيس فقال : يا قيس ، ما يقول هذا؟ قال : وما يقول؟ قال : يقول : عمدت إلى قيس فأكرمته ، حتى إذا دخل منك كل مدخل ، وصار في العز مثلك ، مال ميل عدوك ، وحاول ملكك وأضمر على الغدر! إنه يقول : يا أسود يا أسود ، ويا سوأة ويا سوأة ، أقطف قنته ، وخذ من قيس أعلاه ، وإلا سلبك أو قطف قنتك ، فقال قيس : وحلف به ـ كذب وذي الخمار ، لأنت أعظم في نفسي وأرجى عندي من أن أحدث بك نفسي ، فقال : ما أجفاك ، أتكذب الملك ، فقد صدق الملك ، وعرفت الآن أنك تائب مما اطلع عليه منك.
ثم خرج فأتانا ، فقال : يا جشيش (١) ويا فيروز ويا داوذيه إنه قد قال وقلت ، فما الرأي؟ فقلنا : كن على حذر ، فإنا في ذلك ، وأرسل إلينا : ألم أشرفكم على قومكم؟ ألم يبلغني عنكم؟ فقلنا : أقلنا مرتنا هذه ، فقال : فلا يبلغني عنكم فأقلتكم (٢) ، فنجونا ولم نكد ، وهو في ارتياب (٣) من أمرنا وأمر قيس ، ونحن في ارتياب (٤) وعلى خطر عظيم ؛ إذ جاءنا اعتراض عامر بن شهر وذي زود ، وذي مران ، وذي كلاع ، وذي ظليم عليه. وكاتبونا وبذلوا لنا النصر ، وكاتبناهم وأمرناهم أن لا يحركوا شيئا حتى نبرم الأمر ، وإنما هاجوا لذلك حين جاء كتاب النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم ، وكتب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى أهل نجران إلى عربهم وساكني الأرض من غير العرب ، فثبتوا فتنحوا وانضموا إلى مكان [واحد] ، وبلغه ذلك ، وأحسّ بالهلاك ، وفرق لنا الرأي ، فدخلت على آذاذ ، وهي امرأته ، فقلت : يا ابنة عم ، قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك ، قتل زوجك ، وطأطأ في قومك القتل ، وسفك بمن بقي منهم ، وفضح النساء ، فهل عندك ممالأة عليه!؟ فقالت : على أيّ أمره؟ فقلت : على إخراجه ، فقالت : أو قتله؟ فقلت : أو قتله ، قالت : نعم ، والله ما خلق الله شخصا أبغض إليّ منه ، ما يقوم لله على حق ، ولا ينتهي له عن حرمة ، فإذا عزمتم فأعلموني أخبركم بمأتى هذا الأمر ، فأخرج فإذا فيروز وداذويه ينتظراني ، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه فقال له رجل [قبل](٥) أن يجلس إلينا : الملك يدعوك ، فدخل في عشرة من مذحج وهمدان ، فلم يقدر على قتله معهم ، قال السري في حديثه : فقال : يا عبهلة بن كعب بن غوث ، أمني تحصّن بالرجال ، ألم أخبرك الحق
__________________
(١) بالأصل و «ز» : حشيش ، والمثبت عن م والطبري.
(٢) في الطبري : فأقتلكم.
(٣) الأصل : ارتياد ، والمثبت عن م ، و «ز» ، والطبري.
(٤) الأصل : ارتياد ، والمثبت عن م ، و «ز» ، والطبري.
(٥) الزيادة عن م ، و «ز» ، والطبري.