أتاه نعي أبيه وجاء أهل مملكته بعد موته الى الاسكندر ، ومعهم التاج وما يتبعه من أدوات الملك ، وكانت له أقاصيص مع معلمه ليس يدخل أكثر فيما يحتاج في هذا الموضع الى ذكره ، وانما وصفت ما وصفته من حاله المتقدمة ، ليعلم ان الملك انه اذا تشاغل بالحكمة كان أمره عظيما وشأنه جسيما كما كان ذو القرنين. وقد جاء في الاخبار القديمة ان الله عز وجل اذا أراد بامة خيرا جعل الملك في علمائهم والعلم في ملوكهم. وقد قال عز من قائل في كتابه المحكم «انما يخشى الله من عباده العلماء» (١) وتفسير الخشية في هذا الموضع ، التقى وكف اليد عن جميع المساوئ وليس أحد يظن انه أعلم (٢) بما يرضى الله ويسخطه من العالم الذي يعلم أمر الله على كهنه ، وأقصى ما جعل الله للبشر علمه من ملكوته وسلطانه ، على ان العالم بذلك قليل والفاحص عنه والمتبحر له يسير لا جرم ان التقى قليل والجهل كثير والله عز وجل قبل ذلك وبعده ولي الارشاد والتوفيق.
ومما ينبغي أن تعرفه الملوك ، ان أمورهم ليست كأمور سائر الناس الذين يجوز لهم التساهل في شؤونهم ، لان كل انسان من السوقة المنفردين بما يخصهم يكفيه من الفضائل وتضره من الرذائل (٣) دون [ما يكفى ويضر من يضم الجماعة الكثيرين الذين تصرفهم به ورجوعهم الى الاتمار له فان الواحد من السوق مثلا يكفيه في أن يكون فهما أن يفهم أمره وأمر ما يخصه ويجزيه من العلم يسير ما يسد به ويقتنيه (٤) ، وكذلك يجزيه أن يكون شجاعا ان يفي بقرنه وفي أن يكون أمينا يؤدي ما يؤتمن عليه نفسه ، وفي أن يكون عادلا أن يعدل فيما يأخذه ويعطيه وحده ، وفي أن يكون
__________________
(١) سورة الاحزاب : ٣٥ ، الآية ٢٨.
(٢) في س : اغنم.
(٣) في س : لرزائل.
(٤) في النسخ الثلاث : ونقيته.