وأما قوله في رجوعه في الرأي اليّ ، فالاحوال الكبار تشغل الملك عن الانفراد بالرأي ، وتقطعه عنه ، وليس رجوعه فيه اليّ لنكوله عن عمله ولا قصور من رأيه عن بلوغه ولكن لا ذكره بما أفدته منه وأرد عليه ما اسلفنيه من قريحته ، والله يوفق من ذلك ما يرضي الملك ويزلف عنده : ـ
فأما ما شاهده الملك من بأس الفرس ونجدتهم ، فينبغي أن يعلم الملك ان الامم اقتسمت الفضائل ، فالذي وقع للفرس منها هو الشجاعة ، والنجدة فأما قتلهم فلست أراه لانه ان قتل ملوكهم وليس بد من أن يستعمل عليهم بعضهم ، اضطر الى رفع سفلتهم. وسياسة الملوك أسهل من سياسة السفلة لان الملوك أشد طاعة وأسلس انقيادا وعريكة. وسياسة السفلة شاقة (١) متعبة ، وأنا أرى رأيا يكتفي به الملك مؤونه قتلهم مع ما يجتمع له به من طاعتهم ، ويستثمره من اخلاص نياتهم والانتفاع بهم ، وهو ان يجمعهم في محفل عظيم عام ، ويعمد الى أولاد الملوك الذين لا يأبى أحد من كافتهم رياستهم ، فيقسم المملكة بينهم ، ويجعلها طوائف في أيديهم. فانه اذا رأى كل امرى منهم ، انه قد ساوى نظيره في التمليك ، لم تطعه نفسه للانقياد له ، وان يكون دونه ، ولقلة مقدار الطائفة التي في يده من المملكة عند جميعها ، ما ينقص همته عن معصية الملك والخلاف عليه ، ويستجمع الملك طاعتهم ويكفى ما ترهبه من غدرهم وشرتهم : ـ فرأى الاسكندر صواب هذا الرأي ، فقبله فلم يزل ملوك الطوائف يؤدون الاتاوة الى اليونانيين ، وينحون لهم بالطاعة خمسمائة واحدى عشرة سنة الى أن جمعهم اردشير بن بابك ، وقال : لما تكلف من جهادهم على الجمع
__________________
(١) قال أنو شيروان : الناس ثلاث طبقات : تسوسهم ثلاث سياسات طبقة من خاصة الاشرار : تسوسهم بالغلظة والعنف والشدة. وطبقة العامة ، تسوسهم باللين والشدة ، فلا تحرجهم الشدة ، ولا يبطرهم اللين ... ابن رشيق القيرواني : زهرة الآداب ص ٥.