وخرج ابن بيهس من العلة (١) فجمع جماعة وأقبل يريد دمشق ، فقال مسلمة بن يعقوب لمن معه من هوازن : هذا صاحبكم يريد بنا ما فعل بأبي العميطر ؛ فقالوا له : ما هو لنا بصاحب ، وما نعرف غيرك ، وهذه سيوفنا دونك ، وأنشده بعضهم :
ستعلم نصحنا إن كان كون |
|
وتعلم أننا صبر كرام |
حماة دون ملكك غير ميل |
|
إذا ما جدّ بالحرب احتدام |
وسوف نريك في الأعداء ضربا |
|
يطير سواعد منه وهام |
وطعنا في النحور بذابلات |
|
طوال في أسنّتها الحمام |
فوثق بهم مسلمة وتزيّد في برّهم ، وأقبل ابن بيهس حتى نزل قرية الشّبعا وأصبح منها غاديا إلى مدينة دمشق ، وصاح الديدبان (٢) السلاح ، وخرج مسلمة وخرجت معه القيسية. فقاتلوا ذلك اليوم مع مسلمة قتالا شديدا وكثرت الجراحات في الفريقين ، وانصرف ابن بيهس وقد ساء ظنه بقيس فكتب إليهم (٣) :
سيكفي الله وهو أعزّ كاف |
|
أمير المؤمنين ذوي الخلاف |
وكلّ مقدّر في اللوح يأتي |
|
وكلّ ضبابة فإلى انكشاف |
وما أنا بالفقير إلى نصير |
|
سوى الرّحمن والأسل العجاف |
وعندي في الحوادث صبر نفس |
|
عن المكروه أيّام الثّقاف |
وعن حقّ أدافع أهل جور |
|
وشتّى بين قصد وانحراف (٤) |
فهابت القيسية على أنفسها فدخلوا على مسلمة ، فكلموه على وجه النصيحة له ، وقد أضمروا الغدر به ، فقالوا له : نرى أن تخرج إلى ابن بيهس فتسأله الرجوع عنا ، وحقن الدماء بيننا ، فإن فعل وإلّا ثبطنا أصحابنا عنه ، ومن أطاعنا واستملنا من قدرنا عليه ، فقال لهم : الصواب ما رأيتم ، وطمع أن يبقوا له ، ولم يكن يتهيأ لهم ما أرادوا بمدينة دمشق ، فخرجوا إلى ابن بيهس فباتوا عنده ، وأحكموا الأمر معه ؛ وصبّح دمشق بالخيل والرجالة والسلالم
__________________
(١) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وفي تحفة ذوي الألباب : وخرج ابن بيهس عليه.
(٢) الديدبان : الرقيب والطليعة ، كلمة فارسية معربة وأصلها كلمتان : ديد : انظر ، وبان : صاحب (راجع لسان العرب : ديب).
(٣) الأبيات في تحفة ذوي الألباب ١ / ٢٥٩.
(٤) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وفي تحفة ذوي الألباب : والجزاف.