الجواب أن البخاري ومسلما (١) لم (٢) يشرطا (٣) هذا الشرط ولا نقل عن واحد منهما أنه قال ذلك ، والحاكم قدر هذا التقدير ، وشرط لهما هذا الشرط على ما ظن ، ولعمري أنه شرط حسن لو كان موجودا في كتابيهما ، إلّا أنّا وجدنا هذه القاعدة التي أسّسها الحاكم منتقضة في الكتابين جميعا ، فمن ذلك في الصحابة أن البخاري أخرج حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي يذهب الصالحون أولا فأولا ، الحديث ، وليس لمرداس راو غير قيس ، وأخرج هو ومسلم حديث المسيّب بن حزن في وفاة أبي طالب ، ولم يرو عنه غير ابنه سعيد ، وأخرج البخاري حديث الحسن البصري عن عمرو بن تغلب : إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إليّ ، الحديث ، ولم يرو عن عمرو غير الحسن هذا في أشياء عند البخاري على هذا النحو.
وأما مسلم فإنه أخرج حديث الأعز المزني : أنه ليغان على قلبي ، ولم يرو عنه غير أبي بردة. وأخرج حديث أبي رفاعة العدوي ؛ ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوي ؛ وأخرج حديث رافع بن عمرو الغفاري ، ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصّامت ، وأخرج حديث ربيعة ابن كعب الأسلمي ، ولم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرّحمن ، هذا في أشياء كثيرة اقتصرنا منها على هذا القدر ليعلم أن القاعدة التي أسّسها منتقضة لا أصل لها ، ولو اشتغلنا (٤) بنقض هذا الواحد في التابعين وأتباعهم ، وبمن روى عنهم إلى عصر الشيخين لأربى على كتابه المدخل أجمع ، إلّا أن الاشتغال بنقض كلام الحاكم لا يفيد فائدة ، وله في سائر كتبه مثل هذا الكثير عفا الله عنا وعنه.
وأما الإمام الحافظ المتقن أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن طاهر بن مندة فأشار إلى نحو ما ذكرنا وخلاف ما رسمه الحاكم.
أخبرنا أبو عمرو عبد الوهّاب بن أبي عبد الله (٥) بن مندة قال : قال أبي : ومن حكم الصحابي إذا روى عنه تابعي وإن كان مشهورا مثل : الشعبي ، وسعيد بن المسيّب ينسب إلى الجهالة ؛ فإذا روى عنه رجلان صار مشهورا ، واحتج به على هذا بنى محمّد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجّاج كتابيهما الصحيحين إلّا أحرفا نبين أمرها.
__________________
(١) زيد في «ز» : رحمة الله عليهما.
(٢) سقطت من د.
(٣) في «ز» : يشترطا.
(٤) في «ز» : اشتغلت.
(٥) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : عبد الوهّاب بن أبي عبد الوهّاب بن أبي عبد الله بن منده.