وخليد بن نشيط : جعل فعلا ماضيا ، الملائكة نصبا ، وذلك بعد قراءته فاطر بألف ، والجر كقراءة من قرأ : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) (١). وقرأ الحسن ، وحميد بن قيس : رسلا بإسكان السين ، وهي لغة تميم. وقال الزمخشري : وقرىء الذي فطر السموات والأرض وجعل الملائكة. فمن قرأ : فطر وجعل ، فينبغي أن تكون هذه الجمل إخبارا من العبد إلى ما أسداه إلينا من النعم ، كما تقول : الفضل لزيد أحسن إلينا بكذا خولنا كذا ، يكون ذلك جهة بيان لفعله الجميل ، كذلك يكون في قوله : فطر ، جعل ، لأن في ذلك نعما لا تحصى. ومن قرأ : وجاعل ، فالأظهر أنهما اسما فاعل بمعنى المضي ، فيكونان صفة لله ، ويجيء الخلاف في نصب رسلا. فمذهب السيرافي أنه منصوب باسم الفاعل ، وإن كان ماضيا لما لم يمكن إضافته إلى اسمين نصب الثاني. ومذهب أبي علي أنه منصوب بإضمار فعل ، والترجيح بين المذهبين مذكور في النحو. وأما من نصب الملائكة فيتخرج على مذهب الكسائي وهشام في جواز إعمال الماضي النصب ، ويكون إذ ذاك إعرابه بدلا. وقيل : هو مستقبل تقديره : يجعل الملائكة رسلا ، ويكون أيضا إعرابه بدلا. ومعنى رسلا بالوحي وغيره من أوامره ، ولا يريد جميع الملائكة لأنهم ليسوا كلهم رسلا. فمن الرسل : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ، والملائكة المتعاقبون ، والملائكة المسددون حكام العدل وغيرهم ، كالملك الذي أرسله الله إلى الأعمى والأبرص والأقرع.
و (أَجْنِحَةٍ) جمع جناح ، صيغة جمع القلة ، وقياس جمع الكثرة فيه جنح على وزن فعل ، فإن كان لم يسمع كان أجنحة مستعملا في القليل والكثير. وتقدم الكلام على مثنى وثلاث ورباع في أول النساء مشبعا ، ولكن المفسرون تعرضوا لكلام فيه هنا ، فقال الزمخشري : مثنى وثلاث ورباع صفات الأجنحة ، وإنما لم تنصرف لتكرار العدل فيها ، وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الإعداد من صيغ إلى صيغ أخر ، كما عدل عمر عن عامر ، وحذام عن حاذمة ، وعن تكرير إلى غير تكرير. وأما بالوصفية ، فلا تقترن الحال فيها بين المعدولة والمعدول عنها. ألا تراك تقول بنسوة أربع وبرجال ثلاثة فلا يعرج عليها؟ انتهى. فجعل المانع للصرف هو تكرار العدل فيها ، والمشهور أنها امتنعت من الصرف للصفة والعدل. وأما قوله : ألا تراك ، فإنه قاس الصفة في هذا المعدول على الصفة في أفعل وفي ثلاثة ، وليس بصحيح ، لأن مطلق الصفة لم يعدوه علة ، بل اشترطوا فيه. فليس الشرط موجودا في أربع ، لأن شرطه أن لا يقبل تاء التأنيث. وليس شرطه في ثلاثة موجودا ، لأنه لم يجعل علة
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩٦.