هذه السورة مكية. ولما ذكر تعالى في آخر السورة التي قبلها هلاك المشركين أعداء المؤمنين ، وأنزلهم منازل العذاب ، تعين على المؤمنين حمده تعالى وشكره لنعمائه ووصفه بعظيم آلائه ، كما في قوله : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١).
وقرأ الضحاك والزهري : فطر ، جعله فعلا ماضيا ونصب ما بعده. قال أبو الفضل الرازي : فأما على إضمار الذي فيكون نعتا لله عزوجل ، وأما بتقدير قد فيما قبله فيكون بمعنى الحال. انتهى. وحذف الموصول الاسمي لا يجوز عند البصريين ، وأما الحال فيكون حالا محكية ، والأحسن عندي أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هو فطر ، وتقدم شرح (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وأن المعنى خالقها بعد أن لم تكن ، والسموات والأرض عبارة عن العالم.
وقال أبو عبد الله الرازي : الحمد يكون في غالب الأمر على النعمة ، ونعم الله عاجلة ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (٢) ، إشارة إلى أن النعمة العاجلة ودليله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً) (٣) ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) (٤) ، إشارة إليها أيضا ، وهي الاتقاء ، فإن الاتقاء والصلاح بالشرع والكتاب. والحمد في سورة سبأ إشارة إلى نعمة الإيجاد والحشر ، ودليله : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها*) (٥) منها ، وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) (٦) ، وهنا إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ، دليله : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (٧). ففاطر السموات والأرض شاقهما لنزول الأرواح من السماء ، وخروج الأجساد من الأرض دليله : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) : أي في ذلك اليوم. فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى ، لأن كما فعل بأشياعهم من قبل بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب. ولما ذكر حالهم ذكر حال المؤمن وبشره بإرسال الملائكة إليهم مبشرين ، وأنه يفتح لهم أبواب الرحمة.
وقرأ الحسن : جاعل بالرفع ، أي هو جاعل ؛ وعبد الوارث عن أبي عمرو : وجاعل رفعا بغير تنوين ، الملائكة نصبا ، حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن يعمر ،
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٤٥.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٢.
(٤) سورة الكهف : ١٨ / ١.
(٥) سورة سبأ : ٣٤ / ٢ ، وسورة الحديد : ٥٧ / ٤.
(٦) سورة سبأ : ٣٤ / ٣.
(٧) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٣.