أنفسهم. والثاني : أن يكون مفعولا من أجله ، أي تريدون آلهة من دون الله إفكا ، وآلهة مفعول به ، وقدمه عناية به ، وقدم المفعول له على المفعول به ، لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم ، وبدأ بهذا الوجه الزمخشري. والثالث : أن يكون حالا ، أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين؟ قاله الزمخشري ، وجعل المصدر حالا لا يطرد إلا مع أما في نحو : أما علما فعالم.
(فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) : استفهام توبيخ وتحذير وتوعد ، أي : أي شيء ظنكم بمن هو يستحق لأن تعبدوه ، إذ هو رب العالمين حتى تركتم عبادته وعدلتم به الأصنام؟ أي : أيّ شيء ظنكم بفعله معكم من عقابكم ، إذ قد عبدتم غيره؟ كما تقول : أسأت آل فلان ، فما ظنك به أن يوقع بك خيرا ما أسأت إليه؟ ولما وبخهم على عبادة غير الله ، أراد أن يريهم أن أصنامهم لا تنفع ولا تضر ، فعهد إلى ما يجعله منفردا بها حتى يكسرها ويبين لهم حالها وعجزها. (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، والظاهر أنه أراد علم الكواكب ، وما يعزى إليها من التأثيرات التي جعلها الله لها. والظاهر أن نظره كان فيها ، أي في علمها ، أو في كتابها الذي اشتمل على أحوالها وأحكامها. قيل : وكانوا يعانون ذلك ، فأتاهم من الجهة التي يعانونها ، وأوهمهم بأنه استدل بأمارة في علم النجوم أنه سقيم ، أي يشارف السقم. قيل : وهو الطاعون ، وكان أغلب الأسقام عليهم إذ ذاك ، وخافوا العدوى وهربوا منه إلى عيدهم ، ولذلك قال : (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) ، قال معناه ابن عباس ، وتركوه في بيت الأصنام ففعل ما فعل. وقيل : كانوا أهل رعاية وفلاحة ، وكانوا يحتاجون إلى علم النجوم. وقيل : أرسل إليهم ملكهم أن غدا عيدنا ، فاحضر معنا ، فنظر إلى نجم طالع فقال : إن هذا يطلع مع سقمي. وقيل : معنى (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، أي فيما نجم إليه من أمور قومه وحاله معهم ، ومعنى : (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) ، أي لكفرهم به واحتقارهم له ، وقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، من المعاريض ، عرض أنه يسقم في المآل ، أي يشارف السقم. قيل : وهو الطاعون ، وكان أغلب ، وفهموا منه أنه ملتبس بالسقم ، وابن آدم لا بد أن يسقم ، والمثل : كفى بالسلامة داء. قال الشاعر :
فدعوت ربي بالسلامة جاهدا |
|
ليصحني فإذا السلامة داء |
ومات رجل فجأة ، فاكتنف عليه الناس فقالوا : مات وهو صحيح ، فقال أعرابي : أصحيح من الموت في عنقه؟ (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) : أي أصنامهم التي هي في زعمهم