آلهة ، كقوله : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) (١) ، وعرض الأكل عليها. واستفهامها عن النطق هو على سبيل الهزء ، لكونها منحطة عن رتبة عابديها ، إذ هم يأكلون وينطقون. وروي أنهم كانوا يضعون عندها طعاما ، ويعتقدون أنها تصيب منه شيئا ، وإنما يأكله خدمتها. (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) : أي أقبل عليهم مستخفيا ضاربا ، فهو مصدر فى موضع الحال ، أو يضربهم ضربا ، فهو مصدر فعل محذوف ، أو ضمن فراغ عليهم معنى ضربهم ، وباليمين : أي يمين يديه. قال ابن عباس : لأنها أقوى يديه أو بقوته ، لأنه قيل : كان يجمع يديه في الآلة التي يضربها بها وهي الفأس. وقيل : سبب الحلف الذي هو : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (٢).
وقرأ الجمهور : (يَزِفُّونَ) ، بفتح الياء ، من زف : أسرع ، أو من زفاف العروس ، وهو التمهل في المشية ، إذ كانوا في طمأنينة أن ينال أصنامهم شيء لعزتهم. وقرأ حمزة ، ومجاهد ، وابن وثاب ، والأعمش : بضم الياء ، من أزف : دخل في الزفيف ، فهي للتعدي ، قاله الأصمعي. وقرأ مجاهد أيضا ، وعبد الله بن يزيد ، والضحاك ، ويحيى بن عبد الرحمن المقري ، وابن أبي عبلة : يزفون مضارع زف بمعنى أسرع. وقال الكسائي ، والفراء : لا نعرفها بمعنى زف. وقال مجاهد : الوزيف : السيلان. وقرىء : يزفون مبنيا للمفعول. وقرىء : يزفون بسكون الزاي ، من زفاه إذا حداه ، فكان بعضهم يزفو بعضا لتسارعهم إليه. وبين قوله : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) وبين قوله : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) جمل محذوفة هي مذكورة في سورة اقترب ، ولا تعارض بين قوله : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) وبين سؤالهم (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا) (٣) ، وأخبار من عرض بأنه إبراهيم كان يذكر أصنامهم ، لأن هذا الإقبال كان يقتضي تلك الجمل المحذوفة ، أي فأقبلوا إليه ، أي إلى الإنكار عليه في كسر أصنامهم وتأنيبه على ذلك. وليس هذا الإقبال من عندهم ، بل بعد مجيئهم من عندهم جرت تلك المفاوضات المذكورة في سورة اقترب.
واستسلف الزمخشري في كلامه أشياء لم تتضمنها الآيات ، صارت الآيات عنده بها كالمتناقضة. قال ، حيث ذكر هاهنا : إنهم أدبروا عنه خيفة العدوى ، فلما أبصروه يكسر أصنامهم ، أقبلوا إليه متبادرين ليكفوه ويوقعوا به. وذكرتم أنهم سألوا عن الكاسر حتى قيل :
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٢٧ ، وسورة القصص : ٢٨ / ٦٢ ، و ٧٤ ، وسورة فصلت : ٤١ / ٤٧.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٥٧.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٥٩.