سمعنا إبراهيم يذمهم ، فلعله هو الكاسر. ففي إحداهما أنهم شاهدوه يكسرها ، وفي الأخرى أنهم استدلوا بذمه على أنه الكاسر. انتهى. ما أبدى من التناقض ، وليس في الآيات ما يدل على أنهم أبصروه يكسرهم ، فيكون فيه كالتناقض. ولما قرر أنه كالتناقض قال : قلت فيه وجهان : أحدهما : أن يكون الذين أبصروه وزفوا إليه نفرا منهم دون جمهورهم وكبرائهم ، فلما رجع الجمهور والعلية من عندهم إلى بيت الأصنام ليأكلوا الطعام الذي وضعوه عندها لتبرك عليه ورأوها مكسورة ، اشمأزوا من ذلك وسألوا من فعل هذا بها؟ لم ينم عليه أولئك النفر نميمة صريحة ، ولكن على سبيل التورية والتعريض بقولهم : سمعنا فتى يذكرهم لبعض الصوارف. والثاني : أن يكسرها ويذهب ولا يشعر بذلك أحد ، ويكون إقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم ، وسؤالهم عن الكاسر ، وقولهم : (قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) (١). انتهى. وهذا الوجه الثاني الذي ذكر هو الصحيح.
(قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) : استفهام توبيخ وإنكار عليهم ، كيف هم يعبدون صورا صوّروها بأيديهم وشكلوها على ما يريدون من الأشكال؟ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) : الظاهر أن ما موصولة بمعنى الذي معطوفة على الضمير في خلقكم ، أي أنشأ ذواتكم وذوات ما تعملون من الأصنام ، والعمل هنا هو التصوير والتشكيل ، كما يقول : عمل الصائغ الخلخال ، وعمل الحداد القفل ، والنجار الخزانة ؛ ويحمل ذلك على أن ما بمعنى الذي يتم الاحتجاج عليهم ، بأن كلا من الصنم وعابده هو مخلوق لله تعالى ، والعابد هو المصور ذلك المعبود ، فكيف يعبد مخلوق مخلوقا؟ وكلاهما خلق الله ، وهو المنفرد بإنشاء ذواتهما. والعابد مصور الصنم معبوده. و «ما» في : و (ما تَنْحِتُونَ) بمعنى تاذي ، فكذلك في (وَما تَعْمَلُونَ) ، لأن نحتهم هو عملهم. وقيل : ما مصدرية ، أي خلقكم وعملكم ، وجعلوا ذلك قاعدة على خلق الله أفعال العباد. وقد بدد الزمخشري تقابل هذه المقالة بما يوقف عليه في كتابه. وقيل : ما استفهام إنكاري ، أي : وأي شيء تعملون في عبادتكم أصناما تنحتونها؟ أي لا عمل لكم يعتبر. وقيل : ما نافية ، أي وما أنتم تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا تقدرون على شيء. وكون ما مصدرية واستفهامية ونعتا ، أقوال متعلقة خارجة عن طريق البلاغة. ولما غلبهم إبراهيم ، عليهالسلام ، بالحجة ، مالوا إلى الغلبة بقوة الشوكة والجمع فقالوا : (ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) ، أي في موضع إيقاد النار. وقيل : هو
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦١.