ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به ، ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف ، عليهماالسلام : من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله. ومن جعل الذبيح إسحاق ، جعل هذه البشارة بشارة بنبوته ، كما ذكرنا عن ابن عباس. وقالوا : لا يجوز أن يبشره الله بولادته ونبوته معا ، لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا. ومن جعله إسماعيل ، جعل البشارة بولده إسحاق. وانتصب نبيا على الحال ، وهي حال مقدرة. فإن كان إسحاق هو الذبيح ، وكانت هذه البشارة بولادة إسحاق ، فقد جعل الزمخشري ذلك محل سؤال. فإن قلت : فرق بين هذا وقوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (١) ، وذلك أن المدخول موجود مع وجود الدخول ، والخلود غير موجود معهما ، فقدرت مقدرين للخلود ، فكان مستقيما. وليس كذلك المبشر به ، فإنه معلوم وقت وجود البشارة ، وعدم المبشر به أوجب عدم حاله ، لأن الحال حلية لا تقوم إلا بالمحلى. وهذا المبشر به الذي هو إسحاق ، حين وجد لم توجد النبوة أيضا بوجوده ، بل تراخت عنه مدة طويلة ، فكيف يجعل نبيا حالا مقدرة؟ والحال صفة للفاعل والمفعول عند وجود الفعل منه أو به. فالخلود ، وإن لم يكن صفتهم عند دخول الجنة ، فتقديرها صفتهم ، لأن المعنى : مقدرين الخلود. وليس كذلك النبوة ، فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة وقت وجود البشارة بإسحاق لعدم إسحاق. قلت : هذا سؤال دقيق السلك ضيق المسلك ، والذي يحل الإشكال أنه لا بد من تقدير مضاف محذوف وذلك قوله : (وَبَشَّرْناهُ) بوجود إسحاق نبيا ، أي بأن يوجد مقدرة نبوته ، فالعامل في الحال الوجود ، لا فعل البشارة ؛ وبذلك يرجع نظير قوله تعالى : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٢) ، (مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣) ، حال ثانية ، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ ، لأن كل نبي لا بد أن يكون من الصالحين. انتهى.
(وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) : أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا ، وبأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ) : فيه وعيد لليهود ومن كان من ذريتهما لم يؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وفيه دليل على أن البر قد يلد الفاجر ، ولا يلحقه من ذلك عيب ولا منقصة.
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ ، وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ، وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ ، وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ ، وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ
__________________
(١ ـ ٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٧٣.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٣٩ وغيرها من السور.