التركيب ، فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة؟ فالقول بالعطف لا يجوز ، والاستفتاء هنا سؤال على جهة التوبيخ والتقريع على قولهم البهتان على الله ، حيث جعلوا لله الإناث في قولهم : الملائكة بنات الله ، مع كراهتهم لهن ، ووأدهم إياهن ، واستنكافهم من ذكرهن. وارتكبوا ثلاثة أنواع من الكفر : التجسيم ، لأن الولادة مختصة بالأجسام ؛ وتفضيل أنفسهم ، حيث نسبوا أرفع الجنسين لهم وغيره لله تعالى ؛ واستهانتهم بمن هو مكرم عند الله ، حيث أنثوهم ، وهم الملائكة.
بدأ أولا بتوبيخهم على تفضيل أنفسهم بقوله : (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) ، وعدل عن قوله : ألربكم ، لما في ترك الإضافة إليهم من تحسينهم وشرف نبيه بالإضافة إليه. وثنى بأن نسبة الأنوثة إلى الملائكة يقتضي المشاهدة ، فأنكر عليهم بقوله : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) : أي خلقناهم وهم لا يشهدون شيئا من حالهم ، كما قال في الأخرى : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (١) وكما قال (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) (٢). ثم أخبر عنهم ثالثا بأعظم الكفر ، وهو ادعاؤهم أنه تعالى قد ولد ، فبلغ إفكهم إلى نسبة الولد. ولما كان هذا فاحشا قال : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). واحتمل أن تخص هذه الجملة بقولهم ولد الله ، ويكون تأكيدا لقوله : (مِنْ إِفْكِهِمْ) ، واحتمل أن يعم هذا القول. فإن قلت : لم قال : (وَهُمْ شاهِدُونَ) ، فخص علمهم بالمشاهدة؟ قلت : ما هو إلا استهزاء وتجهيل كقوله : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (٣) ، وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة ، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم ولا بإخبار صادق ، لا بطريق استدلال ولا نظر. ويجوز أن يكون المعنى أنهم يقولون ذلك ، كالقائل قولا عن ثلج صدر وطمأنينة نفس لإفراط جهلهم ، كأنهم قد شاهدوا خلقه. وقرأ : (وَلَدَ اللهُ) : أي الملائكة ولده ، والولد فعل بمعنى مفعول يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. تقول : هذه ولدي ، وهؤلاء ولدي. انتهى.
وقرأ الجمهور : (أَصْطَفَى) ، بهمزة الاستفهام ، على طريقة الإنكار والاستبعاد. وقرأ نافع في رواية إسماعيل وابن جماز وجماعة ، وإسماعيل عن أبي جعفر وشيبة : بوصل الألف ، وهو من كلام الكفار. حكى الله تعالى شنيع قولهم ، وهو أنهم ما كفاهم أن قالوا ولد الله ، حتى جعلوا ذلك الولد بنات الله ، والله تعالى اختارهم على البنين. وقال
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ١٩.
(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٥١.
(٣) سورة الزخرف : ٤٣ / ١٩.