الزمخشري : بدلا عن قولهم ولد الله ، وقد قرأ بها حمزة والأعمش ، وهذه القراءة ، وإن كان هذا محملها ، فهي ضعيفة ؛ والذي أضعفها أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها ، وذلك قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ، (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين سببين ، وليست دخيلة بين نسيبين ، بل لها مناسبة ظاهرة مع قولهم ولد الله. وأما قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ، فهي جملة اعتراض بين مقالتي الكفر ، جاءت للتشديد والتأكيد في كون مقالتهم تلك هي من إفكهم. (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) : تقريع وتوبيخ واستفهام عن البرهان والحجة. وقرأ طلحة بن مصرف : تذكرون ، بسكون الذال وضم الكاف. (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ) : أي حجة نزلت عليكم من السماء ، وخبر بأن الملائكة بنات الله. (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ) ، الذي أنزل عليكم بذلك ، كقوله : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) (١) ، فهو يتكلم بما كانوا به يشركون.
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ، سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ، إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ، فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ، ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ، إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ، وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ، وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ ، لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ ، لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ، فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ، أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ، فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ، وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
الظاهر أن الجنة هم الشياطين ، وعن الكفار في ذلك مقالات شنيعة. منها أنه تعالى صاهر سروات الجن ، فولد منهم الملائكة ، وهم فرقة من بني مدلج ، وشافه بذلك بعض الكفار أبا بكر الصديق. (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) : أي الشياطين ، أنها محضرة أمر الله من ثواب وعقاب ، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : إذا فسرت الجنة بالشياطين ، فيجوز أن يكون الضمير في (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) لهم. والمعنى أن الشياطين عالمون أن الله يحضرهم النار ويعذبهم ، ولو كانوا مناسبين له ، أو شركاء في وجوب الطاعة ، لما عذبهم. وقيل : الضمير في (وَجَعَلُوا) لفرقة من كفار قريش والعرب ، والجنة : الملائكة ، سموا بذلك لاجتنانهم وخفائهم. وقال الزمخشري : وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعا منهم
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٣٥.