أهل ملكته قد استهانوه حتى ترك بعضهم الاستئذان ، فيكون فزعه على فساد السيرة ، لا من الداخلين. وقال أبو الأحوص : فزع منهم لأنهما دخلا عليه ، وكل منهما آخذ برأس صاحبه. وقيل : فزع منهم لما رأى من تسورهم على موضع مرتفع جدا لا يمكن أن يرتقي إليه بعد أشهر مع أعوان وكثرة عدد. وقيل : إنهما قالا : لم نتوصل إليك إلا بالتسور لمنع الحجاب ، وخفنا تفاقم الأمر بيننا ، فقبل داود عذرهم. ولما أدركوا منه الفزع قالوا : (لا تَخَفْ) ، أي لسنا ممن جاء إلا لأجل التحاكم. (خَصْمانِ) : يحتمل أن يكون هذا موصولا بقولهما : (لا تَخَفْ) ، بادرا بإخبار ما جاءا إليه. ويحتمل أن يكون سألهم : ما أمركم؟ فقالوا : خصمان ، أي نحن خصمان. (بَغى) : أي جار ، (بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) ، كما قال الشاعر :
ولكن الفتى حمل بن بدر |
|
بغى والبغي مرتعه وخيم |
وقرأ أبو يزيد الجراد ، عن الكسائي : خصمان ، بكسر الخاء ؛ وفي أمرهم له ونهيهم ببعض فظاظة على الحكام ، حمل على ذلك ما هم فيه من التخاصم والتشاجر ، واستدعوا عدله من غير ارتياب في أنه يحكم بالعدل. وقرأ الجمهور : (وَلا تُشْطِطْ) ، مفكوكا من أشط رباعيا ؛ وأبو رجاء ، وابن أبي عبلة ، وقتادة ، والحسن ، وأبو حيوة : تشطط ، من شط ثلاثيا. وقرأ قتادة أيضا : تشط ، مدغما من أشط. وقرأ زر : تشاطط ، بضم التاء وبالألف على وزن تفاعل ، مفكوكا ، وعن قتادة أيضا : تشطط من شطط ، و (سَواءِ الصِّراطِ) : وسط طريق الحق ، لا ميل فيه من هنا ولا هنا.
(إِنَّ هذا أَخِي) : هو قول المدعي منهما ، وأخي عطف بيان عند ابن عطية ، وبدل أو خبر لأن عند الزمخشري. والأخوّة هنا مستعارة ، إذ هما ملكان ، لكنهما لما ظهرا في صورة إنسانين تكلما بالأخوّة ، ومجازها أنها أخوة في الدين والإيمان ، أو على معنى الصحبة والمرافقة ، أو على معنى الشركة والخلطة لقوله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) ، وكل واحدة من هذه الأخوات تقتضي منع الاعتداء ، ويندب إلى العدل. وقرأ الجمهور : (تِسْعٌ وَتِسْعُونَ) ، بكسر التاء فيهما. وقرأ الحسن ، وزيد بن علي : بفتحها. وقرأ الجمهور : (نَعْجَةً) ، بفتح النون ؛ والحسن ، وابن هرمز : بكسر النون ، وهي لغة لبعض بني تميم. قيل : وكنى بالنعجة عن الزوجة. (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) : أي ردها في كفالتي. وقال ابن كيسان : اجعلها كفلي ، أي نصيبي. وقال ابن عباس : أعطنيها ؛ وعنه ، وعن ابن مسعود : تحول لي عنها ؛ وعن أبي العالية : ضمها إلي حتى أكفلها. (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) ، قال