الضحاك : إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان أبطش مني. وقال ابن عطية : كان أوجه مني وأقوى ، فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي ، وقوته أعظم من قوتي. وقال الزمخشري : جاءني محجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أرده به. وأراد بالخطاب : مخاطبة المحاج المجادل ، أو أراد خطيب المرأة ، وخطبها هو فخاطبني خطابا : أي غالبني في الخطبة ، فغلبني حيث زوجها دوني ؛ وقيل : غلبني بسلطانه ، لأنه لما سأله لم يستطع خلافه. قال الحافظ أبو بكر بن العربي : كان ببلادنا أمير يقال له سيري بن أبي بكر ، فكلمته في أن يسأل لي رجلا حاجة ، فقال لي : أما علمت أن طلب السلطان للحاجة غضب لها؟ فقلت : أما إذا كان عدلا فلا. وقرأ أبو حيوة ، وطلحة : وعزني ، بتخفيف الزاي. قال أبو الفتح : حذف الزاي الواحدة تخفيفا ، كما قال أبو زبيد :
أحسن به فهز إليه شوس
وروي كذلك عن عاصم. وقرأ عبيد الله ، وأبو وائل ، ومسروق ، والضحاك ، والحسن ، وعبيد بن عمير : وعازني ، بألف وتشديد الزاي : أي وغالبني. والظاهر إبقاء لفظ النعجة على حقيقتها من كونها أنثى الضأن ، ولا يكنى بها عن المرأة ، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك لأن ذلك الإخبار كان صادرا من الملائكة ، على سبيل التصوير للمسألة والفرض لها مرة غير تلبس بشيء منها ، فمثلوا بقصة رجل له نعجة ، ولخليطه تسع وتسعون ، فأراد صاحبه تتمة المائة ، فطمع في نعجة خليطة ، وأراد انتزاعها منه ؛ وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده ، ويدل على ذلك قوله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) ، وهذا التصوير والتمثيل أبلغ في المقصود وأدل على المراد.
(قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) : ليس هذا ابتداء من داود ، عليهالسلام ، إثر فراغ لفظ المدعي ، ولا فتيا بظاهر كلامه قبل ظهور ما يجب ، فقيل ذلك على تقدير ، أي لئن كان ما تقول ، (لَقَدْ ظَلَمَكَ). وقيل : ثم محذوف ، أي فأقر المدعى عليه فقال : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) ، ولكنه لم يحك في القرآن اعتراف المدّعى عليه ، لأنه معلوم من الشرائع كلها ، إذ لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدّعى عليه. فأما ما قاله الحليمي من أنه رأى في المدّعي مخايل الضعف والهضيمة ، فحمل أمره على أنه مظلوم ، كما تقول ، فدعاه ذلك إلى أن لا يسأل المدعى عليه ، فاستعجل بقوله : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) ، فقوله ضعيف لا يعول عليه. وروي أن داود ، عليهالسلام ، لما سمع كلام الشاكي قال للآخر : ما تقول؟ فأقر فقال له : لئن لم ترجع إلى الحق لأكسرن الذي فيه عيناك ، وقال للثاني : (لَقَدْ