يكون معناه : تخلف من تقدمك من الأنبياء ، أن يعلي قدرك بجعلك ملكا نافذ الحكم ، ومنه قيل : خلفاء الله في أرضه. واستدل من هذه الآية على احتياج الأرض إلى خليفة من الله ، ولا يلزم ذلك من الآية ، بل لزومه من جهة الشرع والإجماع. قال ابن عطية : ولا يقال خليفة الله إلا لرسول. وأما الخلفاء ، فكل واحد منهم خليفة الذي قبله ، وما يجيء في الشعر من تسمية أحدهم خليفة الله فذلك تجوز ، كما قال قيس الرقيات :
خليفة الله في بريته |
|
حقت بذاك الأقلام والكتب |
وقالت الصحابة لأبي بكر : خليفة رسول الله ، وبذلك كان يدعى مدته. فلما ولي عمر قالوا : خليفة خليفة رسول الله ، وطال الأمر وزاد أنه في المستقبل ، فدعوه أمير المؤمنين ، وقصر هذا الاسم على الخلفاء. انتهى. (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) : أمر بالديمومة ، وتنبيه لغيره ممن ولي أمور الناس. فمن حيث هو معصوم لا يحكم إلا بالحق ، أمر أولا بالحكم ؛ ولما كان الهوى قد يعرض لغير المعصوم ، أمر باجتنابه ، وذكر نتيجة اتباعه ، وهو إضلاله عن سبيل الله. و (فَيُضِلَّكَ) : جواب للنهي ، والفاعل في فيضلك ضمير (الْهَوى) ، أو ضمير المصدر المفهوم من (وَلا تَتَّبِعِ) ، أي فيضلك اتباع الهوى. ولما ذكر ما ترتب على اتباع الهوى ، وهو الإضلال عن سبيل الله ، ذكر عقاب الضال. وقرأ الجمهور : (يَضِلُّونَ) ، بفتح الياء ، لأنهم لما أضلهم اتباع الهوى صاروا ضالين. وقرأ ابن عباس ، والحسن : بخلاف عنهما ؛ وأبو حيوة : بضم الياء ، وهذه القراءة أعم ، لأنه لا يضل إلا ضال في نفسه ؛ وقراءة الجمهور أوضح. و (بِما نَسُوا) : متعلق بما تعلق به لهم ، ونسوا : تركوا ، و (يَوْمَ) : يجوز أن يكون منصوب بنسوا ، أو بما تعلق به لهم ، ويكون النسيان عبارة عن ضلالهم عن سبيل الله. وانتصب (باطِلاً) على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي خلقا باطلا ، أو على الحال ، أي مبطلين ، أو ذوي باطل ، أو على أنه مفعول من أجله. معنى باطلا : عبثا.
(ذلِكَ) : أي كون خلقها باطلا ، (ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : أي مظنونهم ، وهؤلاء ، وإن كانوا مقرين بأن خالق السموات والأرض هو الله تعالى ، فهم من حيث أنكروا المعاد والثواب والعقاب ظانون أن خلق ذلك ليس بحكمة ، وأن خلق ذلك إنما هو عبث ؛ ولذلك قال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١). فنبه على المعاد
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١١٥.