والرجوع إلى جزائه ، ثم ذكر ما بين المؤمن ، عامل الصالحات ، والمفسد من التباين ، وأنهما ليسا سيين ، وقابل الصلاح بالفساد ، والتقوى بالفجور. قال ابن عباس : هي عامة في جميع المسلمين والكافرين. وقيل في قوم من مشركي قريش قالوا : نحن لنا في الآخرة أعظم مما لنا في الدنيا ، فأنزل الله هذه الآية. وقيل في جماعة من المؤمنين والكافرين معينين بارزوا يوم بدر عليا وحمزة وعبيدة بن الحارث ، رضياللهعنهم ، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة ؛ ووصف كلا بما ناسبه. والاستفهام بأم في الموضعين استفهام إنكار ، والمعنى : أنه لا يستوي عند الله من أصلح ومن أفسد ، ولا من اتقى ومن فجر ، وكيف تكون التسوية بين من أطاع ومن عصى؟ إذن كان يبطل الجزاء ، والجزاء لا محالة واقع ، والتسوية منتفية.
ولما انتفت التسوية ، بين ما تصلح به لمتبعه السعادة الأبدية ، وهو كتاب الله تعالى ، فقال : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) ، وارتفاعه على إضمار متبدأ ، أي هذا كتاب. وقرأ الجمهور : (مُبارَكٌ) ، على الصفة. وقرىء : مباركا ، على الحال اللازمة ، أي هذا كتاب. وقرأ الجمهور : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) ، بياء الغيبة وشد الدال ، وأصله ليتدبروا. وقرأ عليّ بهذا الأصل. وقرأ أبو جعفر : بتاء الخطاب وتخفيف الدال ؛ وجاء كذلك عن عاصم والكسائي بخلاف عنهما ، والأصل : لتتدبروا بتاءين ، فحذفت إحداهما على الخلاف الذي فيها ، أهي تاء المضارعة أم التاء التي تليها؟ واللام في ليدبروا لام كي ، وأسند التدبر في الجميع ، وهو التفكر في الآيات ، والتأمل الذي يفضي بصاحبه إلى النظر في عواقب الأشياء. وأسند التذكر إلى أولي العقول ، لأن ذا العقل فيه ما يهديه إلى الحق وهو عقله ، فلا يحتاج إلا إلى ما يذكره فيتذكر ، والمخصوص بالمدح محذوف ، التقدير : (نِعْمَ الْعَبْدُ) هو ، أي سليمان. وقرىء : نعم على الأصل ، كما قال :
نعم الساعون في القوم الشطر
أثنى تعالى عليه لكثرة رجوعه إليه ، أو لكثرة تسبيحه. (إِذْ عُرِضَ) ، الناصب لإذ ، قيل : (أَوَّابٌ) ، وقيل : اذكر على الاختلاف في تأويل هذه الآية. قال الجمهور : عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه له ، وقيل : ألف واحد ، فأجريت بين يديه عشيا ، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكر له ، فقال : ردوها عليّ. فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف لما كانت سبب الذهول عن ذلك الذكر ، فأبدله الله أسرع منها الريح. وقال قوم ،