منهم الثعلبي : كانت بالناس مجاعة ، ولحوم الخيل لهم حلال ، فعقرها لتؤكل على سبيل القربة ، ونحر الهدي عندنا. انتهى. وفي هذه القصة ألفاظ فيها غض من منصب النبوّة كفينا عنه. والخير في قوله (حُبَّ الْخَيْرِ) : أي هذا القول يراد به الخيل. والعرب تسمي الخيل الخير ، قاله قتادة والسدي : وقال الضحاك ، وابن جبير : الخير هنا المال ، وانتصب حب الخير ، قيل : على المفعول به لتضمن أحببت معنى آثرت ، قاله الفرّاء. وقيل : منصوب على المصدر التشبيهي ، أي أحببت الخيل كحب الخير ، أي حبا مثل حب الخير. وقيل : عدى بعن فضمن معنى فعل يتعدى بها ، أي أنبت حب الخير عن ذكر ربي ، أو جعلت حب الخير مغنيا عن ذكر ربي. وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان أن أحببت بمعنى : لزمت ، من قوله :
مثل بعير السوء إذ أحبا
وقالت فرقة : (أَحْبَبْتُ) : سقطت إلى الأرض ، مأخوذ من أحب البعير إذا أعيى وسقط. قال بعضهم : حب البعير : برك ، وفلان : طأطأ رأسه. وقال أبو زيد : بعير محب ، وقد أحب إحبابا ، إذا أصابه مرض أو كسر ، فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت. قال ثعلب : يقال للبعير الحسير محب ، فالمعنى : قعدت عن ذكر ربي. وحب الخير على هذا مفعول من أجله ، والظاهر أن الضمير في (تَوارَتْ) عائد على (الصَّافِناتُ) ، أي دخلت اصطبلاتها ، فهي الحجاب. وقيل : حتى تورات في المسابقة بما يحجبها عن النظر. وقيل : الضمير للشمس ، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العشي عليها. وقالت طائفة : عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة ، فأشار إليهم أني في صلاتي ، فأزالوها عنه حتى دخلت في الاصطبلات ؛ فقال هو لما فرغ من صلاته : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) ، أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي ، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها ، ردوها عليّ فطفق يمسح أعرافها وسوقها محبة لها. وقال ابن عباس والزهري : مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيديه تكريما لها ومحبة ، ورجحه الطبري. وقيل : بل غسلا بالماء. وقال الثعلبي : إن هذا المسح كان في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله. انتهى. وهذا القول هو الذي يناسب مناصب الأنبياء ، لا القول المنسوب للجمهور ، فإن في قصته ما لا يليق ذكره بالنسبة للأنبياء.
و (حَتَّى تَوارَتْ) : غاية ، فالفعل يكون قبلها متطاولا حتى تصح الغاية ، فأحببت : معناه أردت المحبة. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله : (رُدُّوها عَلَيَ)؟ قلت :