بمحذوف تقديره : قال ردوها عليّ ، فأضمروا ضمير ما هو جواب له ، كأن قائلا قال : فماذا قال سليمان؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاء ظاهرا. ثم ذكر الزمخشري لفظا فيه غض من النبوة فتركته. وما ذهب إليه من هذا الإضمار لا يحتاج إليه ، إذ الجملة مندرجة تحت حكاية القول وهو : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ). فهذه الجملة وجملة (رُدُّوها عَلَيَ) محكيتان بقال ، وطفق من أفعال المقاربة للشروع في الفعل ، وحذف غيرها لدلالة المصدر عليه ، أي فطفق يمسح مسحا. وقرأ الجمهور : (مَسْحاً) : وزيد بن علي : مساحا ، على وزن قتال ، والباء في (بِالسُّوقِ) زائدة ، كهي في قوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (١). وحكى سيبويه : مسحت برأسه ورأسه بمعنى واحد ، وتقدم الكلام على ذلك في المائدة. وقرأ الجمهور : (بِالسُّوقِ) ، بغير همز على وزن فعل ، وهو جمع ساق ، على وزن فعل بفتح العين ، كأسد وأسد ؛ وابن كثير بالهمز ، قال أبو علي : وهي ضعيفة ، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو وقدر أنها عليها فهمزت ، كما يفعلون بالواو المضمومة. ووجه همز السوق من السماع أن أبا حبة النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة ، وكان ينشد :
حب المؤقدين إلى مؤسى
انتهى. وليست ضعيفة ، لأن الساق فيه الهمزة ، ووزن فعل بسكون العين ، فجاءت هذه القراءة على هذه اللغة. وقرأ ابن محيصن : بهمزة بعدها الواو ، رواهما بكار عن قنبل. وقرأ زيد بن علي : بالساق مفردا ، اكتفى به عن الجمع لأمن اللبس. ومن غريب القول أن الضمير في ردوها عائد على الشمس ، وقد اختلفوا في عدد هذه الخيل على أقوال متكاذبة ، سودوا الورق بذكرها.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) : نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها ، يوقف عليها في كتبهم ، وهي مما لا يحل نقلها ، وأما هي من أوضاع اليهود والزنادقة ، ولم يبين الله الفتنة ما هي ، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان. وأقرب ما قيل فيه : أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال : «لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة ، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، ولم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن ، فلم تحمل إلا امرأة واحدة ، وجاءته بشق رجل». قال
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٣ ، وسورة المائدة : ٥ / ٦.