وهو قريب مما قبله. وقيل : النعم التي أسداها الله إليهم من النبوة والمكانة. وقيل (الْأَيْدِي) : الجوارح المتصرفة في الخير ، (وَالْأَبْصارِ) الثاقبة فيه.
قال الزمخشري : لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت ، فقيل في كل عمل : هذا مما عملت أيديهم ، وإن كان عملا لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي ، أو كان العمال جذما لا أيدي لهم ، وعلى ذلك ورد قوله عز وعلا : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) ، يريد : أولي الأعمال والفكر ؛ كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ، ولا يجاهدون في الله ؛ ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات ، ولا يستبصرون في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم ، والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم ؛ وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ، ولا من المستبصرين في دين الله ، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منها. انتهى ، وهو تكثير. وقال أبو عبد الله الرازي : اليد آلة لأكثر الأعمال ، والبصر آلة لأقوى الإدراكات ، فحسن التعبير عن العمل باليد ، وعن الإدراك بالبصر. والنفس الناطقة لها قوّتان : عاملة وعالمة ، فأولي الأيدي والأبصار إشارة إلى هاتين الحالتين. وقرأ عبد الله ، والحسن ، وعيسى ، والأعمش : الأيد بغير ياء ، فقيل : يراد الأيدي حذف الياء اجتزاء بالكسرة عنها ، ولما كانت أل تعاقب التنوين ، حذفت الياء معها ، كما حذفت مع التنوين ، وهذا تخريج لا يسوغ ، لأن حذف هذه الياء مع وجود أل ذكره سيبويه في الضرائر. وقيل : الأيدي : القوة في طاعة الله ، والأبصار : عبارة عن البصائر التي يبصرون بها الحقائق وينظرون بنور الله تعالى. وقال الزمخشري : وتفسير الأيدي من التأييد قلق غير متمكن ، وإنما كان قلقا عنده لعطف الأبصار عليه ، ولا ينبغي أن يعلق ، لأنه فسر أولي الأيدي والأبصار بقوله : يريد أولي الأعمال والفكر. وقرىء : الأيادي ، جمع الجمع ، كأوطف وأواطف.
وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، ونافع ، وهشام : بخالصة ، بغير تنوين ، أضيفت إلى ذكرى. وقرأ باقي السبعة بالتنوين ، و (ذِكْرَى) بدل من (بِخالِصَةٍ). وقرأ الأعمش ، وطلحة : بخالصتهم ، و (أَخْلَصْناهُمْ) : جعلناهم لنا خالصين وخالصة ، يحتمل ، وهو الأظهر ، أن يكون اسم فاعل عبر به عن مزية أو رتبة أو خصلة خالصة لا شوب فيها ، ويحتمل أن يكون مصدرا ، كالعاقبة ، فيكون قد حذف منه الفاعل ، أي أخلصناهم بأن أخلصوا ذكرى الدار ، فيكون ذكرى مفعولا ، أو بأن أخلصنا لهم ذكرى الدار ، أو يكون الفاعل ذكرى ، أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والدار في كل وجه في موضع نصب بذكرى ، وذكرى