و (رَحْمَةً) ، (وَذِكْرى) : مفعولان لهما ، أي أن الهبة كانت لرحمتنا إياه ، وليتذكر أرباب العقول ، وما يحصل للصابرين من الخير ، وما يؤول إليه من الأجر. وفي الكلام حذف تقديره : وكان حلف ليضربن امرأته مائة ضربة لسبب جرى منها ، وكانت محسنة له ، فجعلنا له خلاصا من يمينه بقولنا : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً). قال ابن عباس : الضغث : عثكال النخل. وقال مجاهد : الأثل ، وهو نبت له شوك. وقال الضحاك : حزمة من الحشيش مختلفة. وقال الأخفش : الشجر الرطب ، واختلفوا في السبب الذي أوجب حلفه. ومحصول أقوالهم هو تمثل الشيطان لها في صورة ناصح أو مداو. وعرض لها شفاء أيوب على يديه على شرط لا يمكن وقوعه من مؤمن ، فذكرت ذلك له ، فعلم أن الذي عرض لها هو الشيطان ، وغضب لعرضها ذلك عليه فحلف. وقيل غير ذلك من الأسباب ، وهي متعارضة. فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها ، لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها ، وقد وقع مثل هذه الرخصة في الإسلام. أتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمخدج قد خبث بأمة فقال : «خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة». وقال بذلك بعض أهل العلم في الإيمان ، قال : ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة ، إما أطرافها قائمة ، وإما أعراضها مبسوطة ، مع وجود صورة الضربة. والجمهور على ترك القول في الحدود ، وأن البر في الإيمان لا يقع إلا بإتمام عدد الضربات. ووصف الله تعالى نبيه بالصبر. وقد قال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) (١) ، فدل على أن الشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الوصف بالصبر. وقد قال يعقوب : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله على أن أيوب عليهالسلام طلب الشفاء خيفة على قومه أن يوسوس إليهم الشيطان أنه لو كان نبيا لم يبتل ، وتألفا لقومه على الطاعة ، وبلغ أمره في البلاء إلى أنه لم يبق منه إلا القلب واللسان. ويروى أنه قال في مناجاته : إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ، ولم يتبع قلبي بصري ، ولم يمنعني ما ملكت يميني ، ولم آكل إلا ومعي يتيم ، ولم أبت شبعانا ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان ، فكشف الله عنه.
(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ) ، وقرأ ابن عباس وابن كثير وأهل مكة ، عبدنا على الإفراد ، وإبراهيم بدل منه ، أو عطف بيان. والجمهور على الجمع ، وما بعده من الثلاثة بدل أو عطف بيان. وقرأ الجمهور : (أُولِي الْأَيْدِي) ، بالياء. قال ابن عباس ومجاهد : القوة في طاعة الله. وقيل : إحسانهم في الدين وتقدمهم عند الله على عمل صدق ، فهي كالأيدي ،
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٣.