وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
هذه السورة مكية ، وعن ابن عباس : إلا (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ، و (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا). وعن مقاتل : إلا (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) ، وقوله : (يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ). وعن بعض السلف : إلا (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) ، إلى قوله : (تَشْعُرُونَ) ، ثلاث آيات. وعن بعضهم : إلا سبع آيات ، من قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا). ومناسبتها لآخر ما قلبها أنه ختم السورة المتقدمة بقوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (١) ، وبدأ هنا : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ). وقال الفراء والزجاج : (تَنْزِيلُ) مبتدأ ، و (مِنَ اللهِ) الخبر ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا تنزيل ، ومن الله متعلق بتنزيل ؛ وأقول إنه خبر ، والمبتدأ هو ليعود على قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ، كأنه قيل : وهذا الذكر ما هو؟ فقيل : هو تنزيل الكتاب. وقال الزمخشري : أو غير صلة ، يعني من الله ، كقولك : هذا الكتاب من فلان إلى فلان ، وهو على هذا خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا تنزيل الكتاب. هذا من الله ، أو حال من تنزيل عمل فيها معنى الإشارة. انتهى. ولا يجوز أن يكون حالا عمل فيها معنى الإشارة ، لأن معاني الأفعال لا تعمل إذا كان ما هو فيه محذوفا ، ولذلك ردوا على أبي العباس قوله في بيت الفرزدق :
وإذ ما مثلهم بشر
أن مثلهم منصوب بالخبر المحذوف وهو مقدر ، أي وأن ما في الوجود في حال مماثلتهم بشر. والكتاب يظهر أنه القرآن ، وكرر في قوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) على جهة التفخيم والتعظيم ، وكونه في جملة غير السابقة ملحوظا فيه إسناده إلى ضمير العظمة وتشريف من أنزل إليه بالخطاب وتخصيصه بالحق. وقرأ ابن أبي عبلة وزيد بن علي وعيسى : تنزيل بالنصب ، أي اقرأ والزم. وقال ابن عطية : قال المفسرون في تنزيل الكتاب هو القرآن ، ويظهر لي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند الله من الكتب ، وكأنه أخبر إخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة إنما تنزيلها من الله ، وجعل هذا الإخبار تقدمة وتوطئة لقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) ، والعزيز في قدرته ، الحكيم في ابتداعه.
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٨٧.