والكتاب الثاني هو القرآن ، لا يحتمل غير ذلك. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما المراد بالكتاب؟ قلت : الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن ، وعلى الثاني أنه السورة. انتهى. وبالحق في موضع الحال ، أي ملتبسا بالحق ، وهو الصدق الثابت فيما أودعناه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد والتكاليف ، فهذا كله حق وصدق يجب اعتقاده والعمل به ، أو يكون بالحق : بالدليل على أنه من عند الله ، وهو عجز الفصحاء عن معارضته. وقال ابن عطية : أي متضمنا الحق فيه وفي أحكامه وفي أخباره ، أو بمعنى الاستحقاق وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى الله. انتهى ملخصا.
ولما امتن تعالى على رسوله بإنزال الكتاب عليه بالحق ، وكان الحق إخلاص العبادة لله ، أمره تعالى بعبادته فقال : (فَاعْبُدِ اللهَ) ، وكأن هذا الأمر ناشىء عن إنزال الكتاب ، فالفاء فيه للربط ، كما تقول : أحسن إليك زيد فاشكره. (مُخْلِصاً) : أي ممحضا ، (لَهُ الدِّينَ) : من الشرك والرياء وسائر ما يفسده. وقرأ الجمهور : الدين بالنصب. وقرأ ابن أبي عبلة : بالرفع فاعلا بمخلصا ، والراجع لذي الحال محذوف على رأي البصريين ، أي الدين منك ، أو يكون أل عوضا من الضمير ، أي دينك. وقال الزمخشري : وحق من رفعه أن يقرأ مخلصا بفتح اللام ، كقوله تعالى : (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) (١) ، حتى يطابق قوله : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) ، والخالص والمخلص واحد ، إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي ، كقولهم : شعر شاعر. وأما من جعل مخلصا حالا من العابد ، وله الدين مبتدأ وخبر ، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لله الدين ، أي لله الدين الخالص. انتهى. وقد قدمنا تخريجه على أنه فاعل بمخلصا ، وقدرنا ما يربط الحال بصاحبها ، وممن ذهب إلى أن له الدين مستأنف مبتدأ وخبر الفراء. (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) : أي من كل شائبة وكدر ، فهو الذي يجب أن تخلص له الطاعة ، لاطاعه على الغيوب والأسرار ، ولخلوص نعمته على عباده من غير استجرار منفعة منهم. قال الحسن : الدين الخالص : الإسلام ؛ وقال قتادة : شهادة أن لا إله إلا الله.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) : مبتدأ ، والظاهر أنهم المشركون ، واحتمل أن يكون الخبر قال المحذوف المحكي به قوله : (ما نَعْبُدُهُمْ) ، أي والمشركون المتخذون من دون الله أولياء قالوا : ما نعبد تلك الأولياء (إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ، واحتمل أن يكون الخبر :
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٤٦.