الإبل والبقر والضأن والمعز ، (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ، لأن كلا منها ذكر وأنثى ، والزوج ما كان معه آخر من جنسه ، فإذا انفرد فهو فرد ووتر. وقال تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (١).
قال ابن زيد : (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) : آخر من ظهر آدم وظهور الآباء. وقال عكرمة ومجاهد والسدي : رتبا (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) على المضغة والعلقة وغير ذلك. وأخذه الزمخشري فقال : حيوانا سويا ، من بعد عظام مكسوة لحما ، من بعد عظام عارية ، من بعد مضغ ، من بعد علق ، من بعد نطف. انتهى. وقرأ عيسى وطلحة : يخلقكم ، بإدغام القاف في الكاف ، والظلمات الثلاث : البطن والرحم والمشيمة ، وقيل : الصلب والرحم والبطن. (ذلِكُمُ) : إشارة إلى المتصف بتلك الأوصاف السابقة من خلق السموات وما بعد ذلك من الأفعال. (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) : أي كيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره؟
(إِنْ تَكْفُرُوا) ، قال ابن عباس : خطاب للكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم. وعباده : هم المؤمنون ، ويؤيده قوله قبله : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ، وهذا للكفار ، فجاء (إِنْ تَكْفُرُوا) خطابا لهم ، (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) ، وعن عبادتكم ، إذ لا يرجع إليه تعالى منفعة بكم ولا بعبادتكم إذ هو الغني المطلق. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مخاطبا لجميع الناس ، لأنه تعالى غني عن جميعهم ، وهم فقراء إليه. انتهى. ولفظ عباده عام ، فقيل : المراد الخصوص ، وهم الملائكة ومؤمنو الإنس والجن. والرضا بمعنى الإرادة ، فعلى هذا صفة ذات. وقيل : المراد العموم ، كما دل عليه اللفظ ، والرضا مغاير للإرادة ، عبر به عن الشكر والإثابة ، أي لا يشكره لهم دينا ولا يثيبهم به خيرا ، فالرضا على هذا صفة فعل بمعنى القبول والإثابة. قال ابن عطية : وتأمل الإرادة ، فإن حقيقتها إنما هي فيما لم يقع بعد ، والرضا حقيقته إنما هو فيما قد وقع ، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده ، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارهم على جهة التجوز هذا بدل هذا. وقال الزمخشري : ولقد تمحل بعض الغواة ليثبت لله ما نفاه عن ذاته من الرضا لعباده الكفر ، فقال : هذا من العام الذي أريد به الخاص ، وما أراد إلا عباده الذين عناهم في قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ*) (٢) ، يريد المعصومين لقوله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٣) ، تعالى الله
__________________
(١) سورة القيامة : ٧٥ / ٣٩.
(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٤٢ ، وسورة الإسراء : ١٧ / ٦٥.
(٣) سورة الإنسان : ٧٦ / ٦.