أمرت على أمرت وهما واحد؟ قلت : ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما ، وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء ، والأمر به لتحرز به قصب السبق في الدين شيء. وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين ، ولك أن تجعل اللام مزيدة مثلها في أردت ، لأن أفعل لا تزاد إلا مع أن خاصة دون الاسم الصريح ، كأنها زيدت عوضا من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه ، كما عوض السين في اسطاع عوضا من ترك الأصل الذي هو أطوع. والدليل على هذا الوجه مجيئه بغير لام في قوله : (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (١). انتهى. ويحتمل في أن أكون في ثلاثة المواضع أصله لأن أكون ، فيكون قد حذفت اللام ، والمأمور به محذوف ، وهو المصرح به هنا (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ). (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) : تقدّم الكلام على هذه الجملة مقول القول في سورة يونس.
لما أمره أولا أن يخبر بأنه أمر بعبادة الله ، أمر ثانيا أن يخبر بأنه يعبد الله وحده. وتقديم الجلالة دال على الاهتمام بمن يعبد ، وعند الزمخشري يدل على الاختصاص ، قال : ولدلالته على ذلك ، قدم المعبود على فعل العبادة ، وأخره في الأول. فالكلام أولا واقع في الفعل في نفسه وإيجاده ، وثانيا فيمن يفعل الفعل لأجله ، ولذلك رتب عليه قوله : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ). والمراد بهذا الأمر الوارد على وجه التخيير المبالغة في الخذلان والتخلية. انتهى. وقال غيره : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ) : صيغة أمر على جهة التهديد لقوله : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) (٢). (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) : أي حقيقة الخسران ، (الَّذِينَ خَسِرُوا) : أي هم الذين خسروا أنفسهم ، حيث صاروا من أهل النار ، (وَأَهْلِيهِمْ) : الذين كانوا معهم في الدنيا ، حيث كانوا معهم في النار ، فلم ينتفعوا منهم بشيء ، وإن كان أهلوهم قد آمنوا ، فخسرانهم إياهم كونهم لا يجتمعون بهم ولا يرجعون إليهم. وقال قتادة : كأن الله قد أعد لهم أهلا في الجنة فخسروهم ، وقال معناه ميمون بن مهران. وقال الحسن : هي الحور العين ، ثم ذكر ذلك الخسران وبالغ فيه في التنبيه عليه أولا ، والإشارة إليه ، وتأكيده بالفعل ، وتعريفه بأل ، ووصفه بأنه المبين : أي الواضح لمن تأمله أدنى تأمل.
ولما ذكر خسرانهم أنفسهم وأهليهم ، ذكر حالهم في جهنم ، وأنه من فوقهم ظلل ومن تحتهم ظلل ، فيظهر أن النار تغاشهم من فوقهم ومن تحتهم ، وسمى ما تحتهم ظللا
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٤.
(٢) سورة الزمر : ٨.