لمقابلة ما فوقهم ، كما قال : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) ، وقال لهم : (مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) (١) وقيل : هي ظلل للذين هم تحتهم ، إذ النار طباق. وقيل : إنما تحتهم يلتهب ويتصاعد منه شيء حتى يكون ظلة ، فسمي ظلة باعتبار ما آل إليه أخيرا. (ذلِكَ) : أي ذلك العذاب ، (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) : ليعلموا ما يخلصكم منه ، ثم ناداهم وأمرهم فقال : (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) : أي اتقوا عذابي.
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ، أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ، لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ، أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
قال ابن زيد : نزلت (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) في زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان وأبي ذر. وقال ابن إسحاق : الإشارة بها إلى عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، والزبير ، وذلك أنه لما أسلم أبو بكر ، سمعوا ذلك فجاؤوه وقالوا : أسلمت؟ قال : نعم ، وذكرهم بالله ، فآمنوا بأجمعهم ، فنزلت فيهم ، وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة. والطاغوت : تقدم الكلام عليها في البقرة. وقرأ الحسن : الطواغيت جمعا. (أَنْ يَعْبُدُوها) : أي عبادتها ، وهو بدل اشتمال. (لَهُمُ الْبُشْرى) : أي من الله تعالى بالثواب. (فَبَشِّرْ عِبادِ) : هم المجتنبون الطاغوت إلى الله. وضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أنهم هم ، وليترتب على الظاهر الوصف ، وهو : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) ، وهو عام في جميع الأقوال ، (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) : ثناء عليهم بنفوذ بصائرهم وتمييزهم الأحسن ، فإذا سمعوا قولا تبصروه. قيل : وأحسن القول : القرآن وما يرجع إليه. وقيل : القول : القرآن ، وأحسنه : ما فيه من صفح وعفو واحتمال ونحو ذلك. وقال قتادة : أحسن القول طاعة الله. وعن ابن عباس : هو الرجل يجلس مع القوم ، فيسمع الحديث فيه محاسن ومساو ، فيحدث بأحسن ما سمع ، ويكف عن ما سواه. و (الَّذِينَ) : وصف لعباد. وقيل : الوقف على عباد ، والذين مبتدأ خبره أولئك وما بعده.
__________________
(١) الأعراف : ٧ / ٤١.