(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) : قيل نزلت في أبي جهل ، أي نفذ عليه الوعيد بالعذاب. والظاهر أنها جملة مستقلة ، ومن موصولة مبتدأ ، والخبر محذوف ، فقيل تقديره : يتأسف عليه ، وقيل : يتخلص منه. وقدره الزمخشري : فأنت تخلصه ، قال : حذف لدلالة أفأنت تنقذ عليه؟ وقدر الزمخشري بين الهمزة والفاء جملة حتى تقر الهمزة في مكانها والفاء في مكانها ، فقال : التقدير : أأنت مالك أمرهم؟ فمن حق عليه كلمة العذاب ، وهو قول انفرد به فيما علمناه. والذي تقوله النحاة أن الفاء للعطف وموضعها التقديم على الهمزة ، لكن الهمزة ، لما كان لها صدر الكلام ، قدمت ، فالأصل عندهم : فأمن حق عليه ، وعلى القول أنها جملة مستقلة يكون قوله : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) ، استفهام توقيف ، وقدم فيه الضمير إشعارا بأنك لست تقدر أن تنقذه من النار ، بل لا يقدر على ذلك أحد إلا الله. وذهبت فرقة ، منهم الحوفي والزمخشري ، إلى أن من شرطية ، وجواب الشرط أفأنت ، فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء ، وأعيدت الهمزة لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد ، ووضع من في النار ، وهو ظاهر ، موضع المضمر ، إذ كان الأصل تنقذه ، وإنما أظهر تشهيرا لحالهم وإظهارا لخسة منازلهم. قال الحوفي : وجيء بألف الاستفهام لما طال الكلام توكيدا ، ولولا طوله ، لم يجز الإتيان بها ، لأنه لا يصلح في العربية أن يأتي بألف الاستفهام في الاسم ، وألف أخرى في الجزاء. ومعنى الكلام : أفأنت تنقذه؟ انتهى. وعلى هذا القول ، يكون قد اجتمع استفهام وشرط على قول الجماعة أن الهمزة قدمت من تأخر ، فيجيء الخلاف بين سيبويه ويونس : هل الجملة الأخيرة هي للمستفهم عنها أو هي جواب الشرط؟ وعلى تقدير الزمخشري : لم تدخل الهمزة على اسم الشرط ، فلم يجتمع استفهام وشرط ، لأن الاستفهام عنده دخل على الجملة المحذوفة عنده ، وهو : أأنت مالك أمرهم؟ وفمن معطوف على تلك الجملة المحذوفة ، عطفت جملة الشرط على جملة الاستفهام ، ونزل استحقاقهم العذاب ، وهم في الدنيا بمنزلة دخولهم النار ، ونزل اجتهاد الرسول عليهالسلام في دعائهم إلى الإيمان منزلة إنقاذهم من النار.
ولما ذكر حال الكفار في النار ، وأن الخاسرين لهم ظلل ، ذكر حال المؤمنين ، وناسب الاستدراك هنا ، إذ هو واقع بين الكافرين والمؤمنين ، فقال : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا). ففي ذلك حض على التقوى ، لهم علالي مرتفعة فوقها علالي مبنية ، أي بناء المنازل التي سويت على الأرض. والضمير في (مِنْ تَحْتِهَا) عائد على الجمعين ، أي من تحت الغرف السفلى والغرف العليا ، لا تفاوت بين أعلاها وأسفلها وانتصب (وَعْدَ اللهِ) على المصدر