قرن الجواب بما هو جواب له ، وهو قوله : (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) ، ولم يفصل بينهما بآية؟ قلت : لأنه لا يخلو ، إما أن يقدم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن ، وإما أن تؤخر القرينة الوسطى. فلم يحسن الأول لما فيه من تبتير النظم بالجمع بين القرائن ؛ وأما الثاني ، فلما فيه من نقض الترتيب ، وهو التحسر على التفريط في الطاعة ، ثم التعلل بفقد الهداية. ثم تمنى الرجعة ، فكان الصواب ما جاء عليه ، وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ، ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب. انتهى ، وهو كلام حسن.
وقرأ الجمهور : (قَدْ جاءَتْكَ) ، بفتح الكاف وفتح تاء ما بعدها ، خطابا للكافر ذي النفس. وقرأ ابن يعمر والجحدري ، وأبو حيوة ، والزعفراني ، وابن مقسم ، ومسعود بن صالح ، والشافعي عن ابن كثير ، ومحمد بن عيسى في اختياره وعن نصير ، والعبسي : بكسر الكاف والتاء ، خطاب للنفس ، وهي قراءة أبي بكر الصديق وابنته عائشة ، رضياللهعنهما ، وروتهما أم سلمة عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم. وقرأ الحسن ، والأعرج ، والأعمش : جأتك ، بالهمز من غير مد ، بوزن بعتك ، وهو مقلوب من جاءتك ، قدمت لام الكلمة وأخرت العين فسقطت الألف ، كما سقطت في رمت وعرت. ولما ذكر مقالة الكافر ، ذكر ما يعرض له يوم القيامة من الإنذار بسوء منقلبه ، وفي ضمنه وعيد لمعاصريه ، عليهالسلام. والرؤية هنا من رؤية البصر ، وكذبهم نسبتهم إليه تعالى البنات والصاحبة والولد ، وشرعهم ما لم يأذن به الله. والظاهر أنه عام في المكذبين على الله ، وخصه بعضهم بمشركي العرب وبأهل الكتابين. وقال الحسن : هم القدرية يقولون : إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل. وقال القاضي : يجب حمل الآية على الكل من المجبرة والمشبهة وكل من وصف الله بما لا يليق به نفيا وإثباتا ، فأضاف إليه ما يجب أن لا يضاف إليه ، فالكل كذبوا على الله ؛ فتخصيص الآية بالمجبرة والمشبهة واليهود والنصارى لا يجوز.
وقال الزمخشري : (كَذَبُوا عَلَى اللهِ) : وصفوه بما لا يجوز عليه ، وهو متعال عنه ، فأضافوا إليه الولد والشريك ، وقالوا : (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (١) ، وقالوا : (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) (٢) ، وقالوا : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) (٣) ، ولا يبعد عنهم قوم يسفهونه بفعل القبائح. ويجوز أن يخلق خلقا لا لغرض ، وقوله : لا لغرض ، ويظلمونه بتكليف ما لا يطاق ، ويجسمونه
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١٨.
(٢) سورة الزخرف : ٤٣ / ٢٠.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٢٨.