روي أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين : اكفروا بمحمد وعليّ وزركم ، فنزلت. وأخبر تعالى ، لا يحمله أحد عن أحد. قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : هذه الآية في الذنوب والجرائم. ويقال : وزر الشيء : حمله ، ووازرة : صفة لمحذوف ، أي نفس وازرة : حاملة ، وذكر الصفة ولم يذكر الموصوف مقتصرا عليه ، لأن المعنى : أن كل نفس لا ترى إلا حاملة وزرها ، لا وزر غيرها ، فلا يؤاخذ نفسا بذنب نفس ، كما يأخذ جبابرة الدنيا الجار بالجار ، والصديق بالصديق ، والقريب بالقريب. وقال ابن عطية : ومن تطرف من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة ، كفعل زياد ونحوه ، فإنما ذلك ظلم ، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بموازرة ومواصلة ، أو اطلاع على حاله وتقرير لها ، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب. انتهى. وكأن ابن عطية تأول أفعال زياد وما فعل في الإسلام ، وكانت سيرته قريبة من سيرة الحجاج ، ولا منافاة بين هذه الآية والتي في العنكبوت ، لأن تلك في الضالين المضلين يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم ، فكل ذلك أثقالهم ، ما فيها من ثقل غيرهم شيء. ألا ترى : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) (١)؟
(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) : أي نفس مثقلة بحملها ، (إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) : أي لا غياث يومئذ لمن استغاث ، ولا إعانة حتى أن نفسا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفف بعض وزرها لم تجب وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ فالآية قبلها في الدلالة على عدل الله في حكمه وأنه لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها وهذه في نفي الإعانة والحمل ما كان على الظهر في الأجرام فاستعير للمعاني كالذنوب ونحوها فيجعل كل محمول متصلا بالظهر كقوله : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) (٢) ، كما جعل كل اكتساب منسوبا إلى اليد. وقرأ الجمهور : لا يحمل بالياء ، مبينا للمفعول ؛ وأبو السمال عن طلحة ، وإبراهيم بن زادان عن الكسائي : بفتح التاء من فوق وكسر الميم ، وتقتضي هذه القراءة نصب شيء ، كما اقتضت قراءة الجمهور رفعه ، والفاعل بيحمل ضمير عائد على مفعول تدع المحذوف ، أي وإن تدع مثقلة نفسا أخرى إلى حملها ، لم تحمل منه شيئا. واسم كان ضمير يعود على المدعو المفهوم من قوله : (وَإِنْ تَدْعُ) ، هذا معنى قول الزمخشري ، قال : وترك المدعو ليعم ويشمل كل مدعو. قال : فإن قلت : فكيف استفهام إضمار ، ولا يصح أن يكون العام ذا قربى للمثقل؟ قلت : هو من العموم الكائن على طريق البلد. انتهى. وقال ابن عطية : واسم كان مضمر تقديره ولو كان. انتهى ، أي ولو كان
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ١٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٣١.