الداعي ذا قربى من المدعو ، فإن المدعو لا يحمل منه شيئا. وذكر الضمير حملا على المعنى ، لأن قوله : (مُثْقَلَةٌ) ، لا يريد به مؤنث المعنى فقط ، بل كل شخص ، فكأنه قيل : وإن تدع شخصا مثقلا. وقرىء : ولو كان ذو قربى ، على أن كان تامة ، أي ولو حضر إذا ذاك ذو قربى ودعته ، لم يحمل منه شيئا. وقالت العرب : قد كان لبن ، أي حضر وحدث. وقال الزمخشري : نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة ، لأن المعنى : على أن المثقلة إذا دعت أحدا إلى حملها لا يحمل منه ، وإن كان مدعوها ذا قربى ، وهو معنى صحيح ملتئم. ولو قلت : ولو وجد ذو قربى ، لتفكك وخرج عن اتساقه والتئامه. انتهى. وهو نسق ملتئم على التقدير الذي ذكرناه ، وتفسيره كان ، وهو مبني للفاعل ، يؤخذ المبني للمفعول تفسير معنى ، وليس مرادفا ومرادفه ، حدث أو حضر أو وقع ، هكذا فسره النحاة.
ولما سبق ما تضمن الوعيد وبعض أهوال القيامة ، كان ذلك إنذارا ، فذكر أن الإنذار إنما يجدي وينفع من يخشى الله. (بِالْغَيْبِ) : حال من الفاعل أو المفعول ، أي يخشون ربهم غافلين عن عذابه ، أو يخشون عذابه غائبا عنهم. وقيل : بالغيب في السر ، وقيل : بالغيب ، أي وهو بحال غيبه عنهم إنما هي رسالة. وقرأ الجمهور : (وَمَنْ تَزَكَّى) ، فعلا ماضيا ، (فَإِنَّما يَتَزَكَّى) : فعلا ، مضارع تزكى ، أي ومن تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي ، فإنما ثمرة ذلك عائدة عليه ، وهو إنما زكاته لنفسه لا لغيره ، والتزكي شامل للخشية وإقامة الصلاة. وقرأ العباس عن أبي عمرو : ومن يزكى فإنما يزكى ، بالياء من تحت وشدّ الزاي فيهما ، وهما مضارعان أصلهما ومن يتزكى ، أدغمت التاء في الزاي ، كما أدغمت في الذال في قوله : (يَذَّكَّرُونَ) (١). وقرأ ابن مسعود ، وطلحة : ومن ازكى ، بإدغام التاء في الزاي. واجتلاب همزة الوصل في الابتداء ؛ وطلحة أيضا : فإنما يزكى ، بإدغام التاء في الزاي. (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) : وعد لمن يزكى بالثواب.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الآية : هي طعن على الكفرة وتمثيل. فالأعمى الكافر ، والبصير المؤمن ، أو الأعمى الصنم ، والبصير الله عزوجل وعلا ، أي لا يستوي معبودهم ومعبود المؤمنين. والظلمات والنور ، والظل والحرور : تمثيل للحق والباطل وما يؤديان إليه من الثواب والعقاب. والأحياء والأموات ، تمثيل لمن دخل في الإسلام ومن لم يدخل فيه. والحرور : شدّة حر الشمس. وقال الزمخشري : والحرور : السموم ، إلا أن السموم تكون بالنهار ، والحرور بالليل والنهار ؛ وقيل : بالليل. انتهى. وقال ابن عطية : قال
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٦ وغيرها من السور.