صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل ، وقولك للحفار ضيق فم الركية ووسع أسفلها ، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر إلى كبر ، ولا من ضيق إلى سعة ، ولا من سعة إلى ضيق ، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات. والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين ، وهو متمكن منهما على السواء ، فقد صرف المصنوع إلى الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه. انتهى. يعني أن خلقهم أمواتا ، كأنه نقل من الحياة وهو الجائز الآخر. وظاهر (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) أنه متسبب عن قبولهم.
(رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ، وثم محذوف ، أي فعرفنا قدرتك على الإماتة والإحياء ، وزال إنكارنا للبعث ، (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) السابقة من إنكار البعث وغيره. (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ) : أي سريع أو بطيء من النار ، (مِنْ سَبِيلٍ) : وهذا سؤال من يئس من الخروج ، ولكنه تعلل وتحير. (ذلِكُمْ) : الظاهر أن الخطاب للكفار في الآخرة ، والإشارة إلى العذاب الذي هم فيه ، أو إلى مقتهم أنفسهم ، أو إلى المنع من الخروج والزجر والإهانة ، احتمالات. قوله. وقيل : الخطاب لمحاضري رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والضمير في فإنه ضمير الشأن. (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) : أي إذا أفرد بالإلهية ونفيت عن سواه ، (كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ) : أي ذكرت اللات والعزى وأمثالها من الأصنام صدقتم بألوهيتها وسكنت نفوسكم إليها. (فَالْحُكْمُ) بعذابكم ، (لِلَّهِ) ، لا لتلك الأصنام التي أشركتمها مع الله ، (الْعَلِيِ) عن الشرك ، (الْكَبِيرِ) : العظيم الكبرياء. وقال محمد بن كعب : لأهل النار خمس دعوات ، يكلمهم الله في الأربعة ، فإذا كانت الخامسة سكتوا. (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) الآية ، وفي إبراهيم : (رَبَّنا أَخِّرْنا) (١) الآية ، وفي السجدة : (رَبَّنا أَبْصَرْنا) (٢) الآية ، وفي فاطر : (رَبَّنا أَخْرِجْنا) (٣) الآية ، وفي المؤمنون : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) (٤) الآية ، فراجعهم اخسؤا فيها ولا تكلمون ، قال : فكان آخر كلامهم ذلك.
ولما ذكر تعالى ما يوجب التهديد الشديد في حق المشركين ، أردفه بذكر ما يدل على كمال قدرته وحكمته ، ليصير ذلك دليلا على أنه لا يجوز جعل الأحجار المنحوتة والخشب المعبودة شركاء لله ، فقال : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) ، أيها الناس ، ويشمل آيات قدرته من الريح السحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها من الآثار العلوية ، وآيات كتابه المشتمل
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٤٤.
(٢) سورة السجدة : ٣٢ / ١٢.
(٣) سورة فاطر : ٣٥ / ٣٧.
(٤) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٦.