الحسن ، كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم : ليس بالذي تخافه ، هو أقل من ذلك وأضعف ، وما هو إلا بعض السحرة ، ومثله لا يقاومه إلا ساحر مثله ، ويقولون : إن قتلته أدخلت الشبهة على الناس ، واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة. والظاهر أن فرعون ، لعنه الله ، كان قد استيقن أنه نبي ، وأن ما جاء به آيات وما هو سحر ، ولكن الرجل كان فيه خبث وجبروت ، وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء ، فكيف لا يقتل من أحسن منه بأنه هو الذي يثل عرشه ، ويهدم ملكه؟ ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك. وقوله : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) : شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه ، كان قوله : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه ، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع. وقال ابن عطية : الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى انهدّ ركنه واضطربت معتقدات أصحابه ، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره ، وذلك بين من غير ما موضع في قصتهما ، وفي ذلك على هذا دليلان : أحدهما : قوله (ذَرُونِي) ، فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنفاذ أوامرهم. والدليل الثاني : في مقالة المؤمن وما صدع به ، وأن مكاشفته لفرعون خير من مساترته ، وحكمه بنبوة موسى أظهر من تقريبه في أمره. وأما فرعون ، فإنه نحا إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي ، ومن ذلك قوله : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) : أي إني لا أبالي من رب موسى ، ثم رجع إلى قومه يريهم النصحة والخيانة لهم ، فقال : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) ، والدين : السلطان ، ومنه قول زهير :
لئن حللت بجوّ في بني أسد |
|
في دين عمرو وحالت بيننا فدك |
انتهى. وتبديل دينهم هو تغييره ، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام ، كما قال : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (١). أو أن يظهر الأرض الفساد ، وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن ، وتتعطل المزارع والمكاسب ، ويهلك الناس قتلا وضياعا ، فأخاف فساد دينكم ودنياكم معا. وبدأ فرعون بخوفه تغيير دينهم على تغيير دنياهم ، لأن حبهم لأديانهم فوق حبهم لأموالهم. وقيل : (ذَرُونِي) يدل على أنهم كانوا يمنعونه من قتله ، إما لكون بعضهم كان مصدقا له فيتحيل في منع قتله ، وإما لما روي عن الحسن مما ذكر الزمخشري ، وإما الشغل قلب فرعون بموسى حتى لا يتفرغ لهم ، ويأمنوا من شره ؛ كما يفعلون مع الملك ، إذا خرج عليه خارجي شغلوه به حتى يأمنوا من شره. وقرأ الكوفيون : أو أن ، بترديد الخوف بين تبديل
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٢٧.