تراك أمكنة إذا لم أرضها |
|
ويريك من بعض النفوس حمامها |
قلت : إن صحت الرواية عنه فقد حق في قول المازني في مسألة العافي كان أحفى من أن يفقه ما أقول له. انتهى ، ويعني أن أبا عبيدة خطأه الناس في اعتقاده أن بعضا يكون بمعنى كل ، وأنشدوا أيضا في كون بعض بمعنى كل قول الشاعر :
إن الأمور إذا الأحداث دبرها |
|
دون الشيوخ في بعضها خللا |
أي : إذا رأى الأحداث ، ولذلك قال دبرها ولم يقل دبروها ، راعى المضاف المحذوف. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) فيه : إشارة إلى علو شأن موسى ، عليهالسلام ، وأن من اصطفاه الله للنبوة لا يمكن أن يقع منه إسراف ولا كذب ، وفيه تعريض بفرعون ، إذ هو غاية الإسراف على نفسه بقتل أبناء المؤمنين ، وفي غاية الكذب ، إذ ادّعى الإلهية والربوبية ، ومن هذا شأنه لا يهديه الله. وفي الحديث : «الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل يس ، ومؤمن آل فرعون ، وعليّ بن أبي طالب». وفي الحديث : «أنه عليهالسلام ، طاف بالبيت ، فحين فرغ أخذ بمجامع ردائه ، فقالوا له : أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا؟ فقال : أنا ذاك ، فقام أبو بكر ، رضياللهعنه ، فالتزمه من ورائه وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم» ، رافعا صوته بذلك وعيناه تسفحان بالدموع حتى أرسلوه. وعن جعفر الصادق : أن مؤمن آل فرعون قال ذلك سرّا ، وأبو بكر قاله ظاهرا. وقال السدي : مسرف بالقتل. وقال قتادة : مسرف بالكفر. وقال صاحب التحرير والتحبير : هذا نوع من أنواع علم البيان تسميه علماؤنا استدراج المخاطب ، وذلك أنه لما رأى فرعون قد عزم على قتل موسى ، والقوم على تكذيبه ، أراد الانتصار له بطريق يخفي عليهم بها أنه متعصب له ، وأنه من أتباعه ، فجاءهم من طريق النصح والملاطفة فقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) ، ولم يذكر اسمه ، بل قال رجلا يوهم أنه لا يعرفه ولا يتعصب له ، (أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) ، ولم يقل رجلا مؤمنا بالله ، أو هو نبي الله ، إذ لو قال شيئا من ذلك لعلموا أنه متعصب. ولم يقبلوا قوله ، ثم اتبعه بما بعد ذلك ، فقدم قوله : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً) ، موافقة لرأيهم فيه. ثم تلاه بقوله : (وَإِنْ يَكُ صادِقاً) ، ولو قال هو صادق وكل ما يعدكم ، لعلموا أنه متعصب ، وأنه يزعم أنه نبي ، وأنه يصدقه ، فإن الأنبياء لا تخل بشيء مما يقولونه ، ثم أتبعه بكلام يفهم منه أنه ليس بمصدق ، وهو قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ). انتهى.
ثم قال : (يا قَوْمِ) نداء متلطف في موعظتهم. (لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ) : أي