أَنْ يَقُولَ) : أي لأن يقول (رَبِّيَ اللهُ) ، وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت لهم ، كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم عليه في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها ، وهي قوله : (رَبِّيَ اللهُ) ، مع أنه (قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) : أي من عند من نسب إليه الربوبية ، وهو ربكم لا ربه وحده؟ وهذا استدراج إلى الاعتراف. وقال الزمخشري : ولك أن تقدر مضافا محذوفا ، أي وقت أن يقول ، والمعنى : أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر في أمره؟ انتهى. وهذا الذي أجازه من تقدير المضاف المحذوف الذي هو وقت لا يجوز ، تقول : جئت صياح الديك ، أي وقت صياح الديك ، ولا أجيء أن يصيح الديك ، نص على ذلك النحاة ، فشرط ذلك أن يكون المصدر مصرحا به لا مقدرا ، وأن يقول ليس مصدرا مصرحا به. (بِالْبَيِّناتِ) : بالدلائل على التوحيد ، وهي التي ذكرها في طه والشعراء حالة محاورته له في سؤاله عن ربه تعالى.
ولما صرح بالإنكار عليهم ، غالطهم بعد في أن قسم أمره إلى كذب وصدق ، وأدّى ذلك في صورة احتمال ونصيحة ، وبدأ في التقسيم بقوله : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) ، مداراة منه وسالكا طريق الإنصاف في القول ، وخوفا إذا أنكر عليهم قتله أنه ممن يعاضده ويناصره ، فأوهمهم بهذا التقسيم والبداءة بحالة الكذب حتى يسلم من شره ، ويكون ذلك أدنى لتسليمهم. ومعنى (فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) : أي لا يتخطاه ضرره. (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) ، وهو يعتقد أنه نبي صادق قطعا ، لكنه أتى بلفظ بعض لإلزام الحجة بأسرها في الأمر ، وليس فيه نفي أن يصيبهم كل ما يعدهم. وقالت فرقة : يصبكم بعض العذاب الذي يذكر ، وذلك كان في هلاكهم ، ويكون المعنى : يصبكم القسم الواحد مما يعد به ، وذلك هو بعض مما يعد ، لأنه عليهالسلام وعدهم إن آمنوا بالنعمة ، وإن كفروا بالنقمة. وقالت فرقة : بعض الذي يعدكم عذاب الدنيا ، لأنه بعض عذاب الآخرة ، ويصيرون بعد ذلك إلى النار. وقال أبو عبيدة وغيره : بعض بمعنى كل ، وأنشدوا قول عمرو بن شسيم القطامي :
قد يدرك المتأني بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزلل |
وقال الزمخشري : وذلك أنه حين فرض صادقا ، فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد ، ولكنه أردفه (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) ، ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام ، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه وافيا فضلا أن يتعصب له. فإن قلت : وعن أبي عبيدة أنه قسم البعض بالكل ، وأنشد بيت لبيد وهو :