يوم الحشر. والتنادي مصدر تنادى القوم : أي نادى بعضهم بعضا. قال الشاعر :
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا |
|
فقلت أعند الله ذلكم الردى |
وسمي يوم التنادي ، إما لنداء بعضهم لبعض بالويل والثبور ، وإما لتنادي أهل الجنة وأهل النار على ما ذكر في سورة الأعراف ، وإما لأن الخلق ينادون إلى المحشر ، وإما لنداء المؤمن : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (١) ، والكافر : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (٢). وقرأت فرقة : التناد ، بسكون الدال في الوصل أجراه مجرى الوقف وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وأبو صالح ، والكلبي ، والزعفراني ، وابن مقسم : التناد ، بتشديد الدال : من ندّ البعير إذا هرب ، كما قال : (يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (٣) الآية. وقال ابن عباس وغيره في التناد ، خفيفة الدال : هو التنادي ، أي يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا ، وأنهم يفرون على وجوههم للفزع التي نالهم ، وينادي بعضهم بعضا. وروي هذا التأويل عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التذكر بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة. انتهى. قال أمية بن أبي الصلت :
وبث الخلق فيها إذ دحاها |
|
فهم سكانها حتى التنادي |
وفي الحديث : «إن للناس جولة يوم القيامة يندّون» ، يظنون أنهم يجدون مهربا ؛ ثم تلا : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) ، قال مجاهد : معناه فارين. وقال السدّي : (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) في فراركم حتى تعذبوا في النار. وقال قتادة : ما لكم في الانطلاق إليها من عاصم ، أي مانع ، يمنعكم منها ، أو ناصر. ولما يئس المؤمن من قبولها قال : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ). ثم أخذ يوبخهم على تكذيب الرسل ، بأن يوسف قد جاءهم بالبينات. والظاهر أنه يوسف بن يعقوب ، وفرعون هو فرعون موسى ، وروى أشهب عن مالك أنه بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة. وقيل : بل الجائي إليهم هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب ، وأن فرعون هو فرعون ، غير فرعون موسى. و (بِالْبَيِّناتِ) : بالمعجزات. فلم يزالوا شاكين في رسالته كافرين ، حتى إذا توفي ، (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً). وليس هذا تصديقا لرسالته ، وكيف وما زالوا في شك منه ، وإنما المعنى : لا رسول من عند الله فيبعثه إلى الخلق ، ففيه نفي الرسول ، ونفي بعثته. وقرىء : ألن يبعث ، بإدخال همزة الاستفهام على حرف النفي ، كأن بعضهم يقرر بعضا
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ١٩.
(٢) سورة الحاقة : ٦٩ / ٢٥.
(٣) سورة عبس : ٨٠ / ٣٤.